الثقافي
"الإسلاميات والعالم الإسلامي": أسلحة وأقنعة شفّافة
تخلّت الكاتبة عن الروح التخصّصية التي لازمت المستشرقين
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 05 فيفري 2019
صدر في فرنسا، في شهر تموز/ يوليو الماضي، كتابٌ بعنوان "الإسلاميات والعالم الإسلامي"، للباحثة الفرنسية ماري تيراز أورفوا، المولودة في دمشق سنة 1949، لأبٍ كان يعمل هناك في البعثة العسكرية إبّان الانتداب، فأتقنت العربية وترقّت في سلّم الدرجات العلمية والجامعية، وهي الآن من بين أبرز المختصّين في الشأن الإسلامي في فرنسا.
أصدرت أورفوا مؤَلفها في توقيت حسّاس، اشتكت فيه السلطات الرسمية الفرنسية من تراجع الاهتمام بالإسلاميات وغيابها عن جامعاتها العتيدة. ولهذا سارع المسؤولون إلى رصد ميزانية خاصة، تفتح بموجبها عشرة مناصب جديدة، فقط لهذه السنة الجامعية 2016 - 2017، لتدريس مادة الإسلاميات (Islamologie) كي تستعيد غابِر مجدها. فكان كتابها شهادة حياة، يؤكد استمرارية هذا الحقل المعرفي وحيويته. فإلى أي حدٍّ يمكن الوثوق بهذه الشهادة؟
ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسامٍ رئيسية: "المعطيات الأساسية للإسلام" و"المظاهر المخصوصة فيه" و"الإسلام والمسيحية" و"بعض المظاهر الثقافية الدالة في الحضارة الإسلامية". وتتوزّع هذه الأقسام بدورها إلى ستة وثلاثين فصلاً، تتناول بالتحليل ميادين شتّى، شديدة التباعد الموضوعي في ما بينها، فالباحثة تنتقل من المُثل الأخلاقية، إلى الأحوال الشخصية، ومنها إلى قضايا الاقتصاد والسياسة، وبعدها تعود إلى أحكام أهل الذمة والحوار الإسلامي - المسيحي، لتتطرّق إلى قضايا الأدب القديم، فإلى تدريس العربية في معاهد فرنسا.
إنَّ أول ما يتبادر إلى الذهن - حين نلاحظ خطّة الكتاب هذه - أنَّ الكاتبة قد تخلّت عن الروح التخصّصية التي طالما ميَّزت أسلافها من المستشرقين مثل جوزيف شاخت، الذي تخصَّص في دراسة الفقه الإسلامي، وأستاذها ريجيس بلاشار، الذي عكف، طيلة حياته، على درس الأدب العربي الكلاسيكي، لا يتخطاه خشية التعميم، ودانيال جيماري الذي قضى عقوداً طويلة يتابع معضلات علم الكلام، لا يجاوزه لغيره.
ولأنَّ موضوعات الإسلاميات متشابكة متداخلة، فإنَّ وضعها جميعاً على قدم المساواة لَمِما ينال بالضرورةً من جودة التحليل وعمقه. غابت روح التخصّص عن الكتاب، فجاء أشبه ما يكون بفسيفساء من أبوابٍ متنافرة موادّها، متباعدٍ في الزمن انتسابها، تنظم فصوله خطةٌ مصطنعة، لا رابط فعلي بين أجزائها. إذ تنتقل المؤلفة من بغداد إلى الأندلس، ومن "الإسلام في حقبته المدنية" إلى خطاب البابا بنيديكت السادس عشر، ومن جنس "المفاضلة" الأدبي، إلى الزواج بين المسيحيين والمسلمين.