الثقافي

مصر تتحدث عن نفسها.. من سجون العسكر

تضمّ الرواية (160 ص) أربعة أقسام

هذه خلاصة الرواية التي كتبها المبدع السجين عمر حاذق: مقطعٌ مصري قديم اقتطفه الكاتب من أناشيد الغرام التي كتبها شاعر مجهول. وها هو يقوم بدور هذا المجهول فيسطّر حكايةً مصرية معتادة، فقر وغرام وطموح لمهمة في الحياة ثم موت في النهاية.

لكن هذا الدور لا يكتبه عمر في رواية "لا أحبّ هذه المدينة" (دار الإسلام للطباعة والنشر) على هَدي من نجيب محفوظ في رواياته التاريخية الأولى عن الفترة الفرعونية، ولا بطريقة الروائيّ الفنلنديّ ميكا فالتاري (توفي 1979) في روايته الشهيرة "المصريّ" التي تُرجمت باسم "سنوحي المصريّ"، وغيرهما. بل يكتبه على نمط التاريخ الحيّ الذي يستعيد نفسه بين الحين والآخر في تجليات أدبية ترمي إلى مغزىً معاصر، أو بروح من العصر مختلفة عما كتبه الأسبقون.

تضمّ الرواية (160 ص) أربعة أقسام: يوم بكى الإله، البيضة فقست، في البدء كانت الكلمة، القمر يخرج من بطن الوحش. في القسم الأول، تبدأ الرواية بحكاية ميلاد إنسان مصريّ بسيط، يتعثّر بولادته، لكن يولد معه حمار تسميه الأم باسمه، ويُعتبر خدينه طيلة الرواية، مثل القرين أو "الكا" يبدأ معه، لكنه لا ينتهي معه، فدوره يختفي بمجرد اختفاء الروح الأصل.

إنها حياة المصريّ التعيسة البائسة في بدايات القرن الأول للميلاد، وسط الجنود الرومان القساة الذين يستحلّون خير المصريين بالضرائب والقتل أحياناً، والاغتصاب أحياناً أخرى. 

لكن الأمّ المكافحة تعمل بين هذا كلّه، تربي ابنتها وولدها، في تصوير أمٍّ مقدّسة، رمزاً لنضال مصريّ بدأ منذ عهد غابر للتاريخ، ولم ينته إلى اليوم. لكن حلماً يُخايل الفتى، أن يرسم بورتريه لوجوه الناس، فيقرّر السفر إلى الإسكندرية، ليتعلّم من فنانيها، وطبعاً هذا الحلم الكبير ينتهي إلى مأساة ملّونة، مع الحبّ والفقد.

مع أن النيل واحد، إلا أنه شيطان أحياناً، يمضي إلى الغريب أكثر مما يمضي مع أبنائه، (فيظمأ إله الأرض، ويغضب، ولا يخرج الزرع من ظهره)، لأن الإله "حابي" لا يسقي الجميع بصورة عادلة، بل ينحاز كثيراً للمستبدّ ضدّ المظلوم. 

لكن حورس، الحمار القرين، يمضي معه، يطمئنه ويسري عنه ويسمع ما يحكيه. وهنا يبدأ القسم الثاني، عند وصول الفنان بأحلامه إلى الإسكندرية، في حياتها الرومانية المرفّهة، ومكتباتها العامرة، وأهلها المتجبّرين القساة، الذين لم يفوّتوا فرصة للسخرية من الفنان الذي يصلّي دائماً للإله "رع" ناثر القمح في الحقول.

يعدم الرومان ثلاثين فلاّحاً، بينهم نساء وصبيان، بتهمتَي النهب والسرقة. والحقيقة هي أنهم قد اعتنقوا الدين الجديد، المسيحية، لكنه يبتعد: "لا أريد سدوداً في نهر أحلامي". يعلق بطُعم فتاة رومانية جميلة في المرسم، ويمنّي نفسه: "أتأمل درجات البياض حين يغمره ظلّ كثيف، مسألة فنية لا أكثر". تلاعبه ديونيسيا، وهي تحبّ آخر، رومانياً غافلاً عنها. أحبّ حبيبتي، وهي تحبّ آخر، والآخر يحبّ أخرى، مسائل درامية متكرّرة. 

لكن تجيء الفاصلة حين تنضمّ الفتاة إلى الدين الجديد. وهو يقارن بين المسيح وأوزوريس الذي جمعت إيزيس أشلاءه إلا عضو التناسل لعدم عثورها عليه، فأنجبت منه حورس دونما اتّصال جسديّ مباشر.

من نفس القسم الثقافي