الثقافي

الهادي العيادي.. عوداً إلى الكتاب المقدّس

تعرّف الشعراء الذين عاشوا في بيئة إسلاميّة إلى رموز الكتاب المقدس من خلال أعمال المهجريّين والأدب الأوروبي

في مقدّمة كتابه "الكتاب المقدس في المنجز الشعري العربي الحديث" (دار سحر، 2014) يشير الهادي العيادي إلى أنّ صلة الشعراء العرب بالكتاب المقدّس ترتدّ إلى القرن التّاسع عشر، حين نشر سنة 1814 بعد أن أوعز القنصل الروّسي بوضع ترجمة له، وقد سبقت هذه الترجمة محاولات في تعريب "المزامير" و"نشيد الإنشاد" و"ترانيم الأناجيل".

وقد رأى الباحث، في المقدمة، أنّ الشعراء العرب اتبعوا ثلاثة مسالك إلى هذا الكتاب، يمكن إيجازها بالآني: مسلك موصول بالبيئة الدينيّة والفكريّة التي عاش فيها الشعراء، إذ كان "الكتاب المقدس" عنصراً من عناصر تكوينهم، وأصلاً من أصول ثقافتهم الدينيّة كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإلياس أبا شبكة وخليل حاوي. مسلك ثانٍ يقوم على الانتماء المدرسي، وقد تبلور هذا المسلك مع انتشار التيار الرومانسي، وفيها تعرّف الشعراء الذين عاشوا في بيئة إسلاميّة إلى رموز هذا الكتاب من خلال أعمال المهجريّين أو من الأدب الأوروبي. أما الثالث فكان موصولاً بالحداثة الثانية وبتجربة الشعر الحرّ، إذ جاء الاطّلاع على الكتاب المقدّس ضمن الاطلاع على مادّة ثقافيّة وإنسانيّة، وطبيعيّ أن يستثمر الشعراء هذه المادّة أو يحوّلوها في نصوصهم المنجزة.

يستعرض الباحث أهمّ القراءات التي انعطفت على "الكتاب المقدّس" بالنظر والتأمّل، منها القراءة الدينيّة التي نظرت إليه من منظور إيمانيّ، والقراءة الرمزيّة التي رأت فيه خطاباً ينطوي على طاقة إشاريّة طافحة بالمعاني، والقراءة النفسيّة التي اعتبرته نافذة مفتوحة على باطن الإنسان الخفيّ المظلم، والقراءة البنيويّة التي نظرت إليه بوصفه نظاماً من العلامات اللغوية.وبالاستئناس بهذه القراءات، أو ببعضها، يجري تأمّل حضور "الكتاب المقدس" في القصيدة العربية. ينعطف العيادي على مدوّنة إلياس أبي شبكة الشعريّة، ويتأمل الرموز التي استدعتها مثل "شمشون" و"دليلة" و"سدوم". وبعد قراءة متأنّية لعدد من القصائد يؤكّد الباحث أنّ الشاعر لم يستنسخ تلك الرموز الدينيّة، ولم ينقلها حرفيّاً، وإنّما دفع بها في مسالك جديدة هي مسالك الشعر.

لم يكتف إلياس أبو شبكة باستدعاء الرموز الدينيّة، وإنّما استرفد أيضاً معجم "الكتاب المقدّس" ولغته، حتّى لكأنّ كلّ قصائده محكومة بروح هذا الكتاب وصوره واستعاراته.ثم يمضي في تأمّل "قناع أيّوب" في قصائد السيّاب، وهو القناع الذي تواتر في دواوينه الثلاثة الأخيرة التي تمثّل، حسب الباحث، الحلقة الضعيفة في كلّ إنتاجه، حيث كتبها وهو مثقل بهاجس الزوال وبحسّ الفاجعة.

وفي فصل عنوانه "خصائص الكتابة الشعريّة عند يوسف الخال" تأمّل الباحث رمزية المسيح في مدوّنة الشاعر. فالمتأمّل في شعر الخال يلحظ أنّ المسيح تواتر في قصائده في صور ثلاث مركزية: "مسيح النبوّة والرؤيا"، "مسيح الصلب والآلام"، "مسيح القيامة والنهوض".

من نفس القسم الثقافي