الثقافي

خليل صويلح.. يوميات كوابيس دمشق

بات يُعرف، كشخصيّةٍ روائيّة أكثر من كونه وثيقةً مرجعيّةً، فالكتاب ضاع بعد زمنٍ من إنجازه

من حيث المضمون، يمدّ خليل صويلح (1959) لروايته الجديدة "جنّة البرابرة" (دار العين، القاهرة 2014) جذورَ النّسب مع "يوميّات البديري الحلاّق" لشهاب الدين أحمد. إذْ قام الأخير بكتابة "حوادث دمشق اليوميّة" موثّقاً ما حدث قبل مئتي عام في المدينة التي كانت تعيش على وقع صراع الآغاوات المحليّين ومرتزقتهم مع الجيش الانكشاري العثماني. أمّا من حيث الشّكل فيمدّ جذوراً أخرى مع كتابات الأوروغواني إدواردو غاليانو الذي امتاز بكتابة مقاطع صغيرة لا تبالي بانتمائها إلى الشعر أو القصة أو المقالة، بل تذهب إلى المزج الكامل بينها، لتصبح هويّتها هي التباس تصنيفها في نوع أدبيّ محدّد.

الرواية تُعنى أكثر بمشهد الحياة السوريّة نفسها، بشخصياتها العادية التي تلتهمها النّيران ورصاص القنّاصة والسّجون، وبتقويض معالم الهويّة من خلال ساردٍ يحيل إلى الكاتب نفسه، سبق وأنْ عرفناه في روايات صويلح السّابقة: "ورّاق الحبّ" و"دعْ عنك لومي" وغيرها.

يحضر كتاب "حوادث دمشق اليوميّة"، أو "يوميّات البديريّ الحلاّق" كما بات يُعرف، كشخصيّةٍ روائيّة أكثر من كونه وثيقةً مرجعيّةً، فالكتاب ضاع بعد زمنٍ من إنجازه، وانتهى في محلٍّ بيع التّوابل في أحد أسواق دمشق القديمة، لتُستعمَل صفحاتُهُ في تغليف البضاعة. وحين حصل أحمد عبد الكريم بالصدفة على بعض التّوابل ملفوفةً بصفحات الرواية، هرع إلى الدكّان ليشتري الأوراق ويحقّقها في الكتاب الذي نعرفه الآن.

يشبه ضياع كتاب البديري، بما فيه من صخبٍ وعنفٍ، ضياعَنا في لحظتنا الحافلة بالموت والسّعار والخوف والنّهب؛ ويشبه العثور عليه وتحرير حكاياته مهمّة الكتابة في استجلاء الطريق أمام الإنسان.لم تسلم في الرواية أفعال النظام الذي واجه الشعب بسعار دموي، كما لم يسلم في المقابل من استعملوها كحقلٍ للنجومية والربحية.

يسرق السّارد الوقت ليذهب إلى التاريخ الدمشقي في زياراتٍ سريعةٍ، من خلال البديري وابن عساكر وسواهما من مؤرّخي دمشق، ليعود ويخبرنا بأنّه ما من شيءٍ تغيّر: "هل عبر الانكشاريون، وعسكرُ الوالي أسعد باشا العظم، الأرضَ التي أقف عليها الآن؟ أنصتُ بانتباه إلى ضجيج محاربين، واستغاثات نساء، وصليل سيوف، وكأنّني عالقٌ هناك، منذ مئتي عام".بالإضافة إلى ذلك، تدخل الميديا الجديدة على الخطّ لتلعب أدواراً سرديّة، فينطق "يوتيوب" بما يحفل به من مشاهد تعذيب أو صور خراب أو نزوح، مستعيناً بعبارة جان بودريار "الأشياء لا تحدث إذا كانت غير مرئية". كذلك يتحدّث فيسبوك بكلّ الفوضى التي تعصف بأركانه، فتقطف الرواية بعضاً من منشوراته، أو تعلّق على بعض صوره، كما في مقطع يحمل عنوان "بائع الشاي المقتول على الرصيف"، إذ يفترض الرواي أنه ذهب ضحيةً لضجر القنّاص، أو رغبته في تجريب سلاحه.

من نفس القسم الثقافي