الثقافي

أكراد سوريا.. الأسطورة والواقع

حرصت الأحزاب الكردية على ترك هامش للمناورة وابتزاز التنازلات من السلطة والمعارضة على حد سواء

يعالج كتاب "مسألة أكراد سورية" (مجموعة باحثين، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) مزاعم الأحزاب الكردية في سوريا التي تكاثر تداولها في السنوات الأخيرة بمسميات مخترعة، وفق الكتاب، مثل "كردستان الغربية" أو "غرب كردستان"، التي هي رغبات ونزعات أيديولوجية تتعارض مع التاريخ ومع الآني في تحولاته الممكنة، وتمثيل انعكاسي لحالة أكراد العراق وتركيا الذين هم شعب يقيم على أرضه التاريخية كردستان.

وعلى هذا، فالكتاب يبحث في ثلاثة أقسام على التوالي: الأكراد في سوريا ـ إطار تاريخي عام، والحركة السياسية الكردية في سوريا، ثم الأكراد في الثورة السورية، إضافة إلى المقدمة والخاتمة.

يميّز الكتاب، في منظوره التاريخي، أكراد الدواخل عن أكراد الأطراف، ويسجّل أن أكراد الدواخل قد بدؤوا انتشارهم في المدن الداخلية وفي المناطق الساحلية الشامية منذ القرن الحادي العشر الميلادي، وقد كان الأيوبيون من أبرزهم، ومنهم الفرسان الأيوبيون الذين أقاموا في الحصون الساحلية المواجهة للإمارات الصليبية، تلك الحصون التي كان من أشهرها "قلعة الحصن"، واسمها آنذاك "حصن الأكراد" وبنيت عام 1031.

مع بداية السلطنة العثمانية، حلّت في المنطقة عشائر كردية صغيرة كانت مكلّفة بجباية الضرائب لخزينة السلطان العثماني، ومن بعضها أخذ "جبل الأكراد" اسمه، إلا أن هذه العشائر اندمجت في المجتمعات المحلية، وتعرّبت بالكامل.

في الفترة ذاتها، نشأ "حي الأكراد" الذي كان ضاحية لدمشق، وصار حاضرة مدينية للوجود الكردي في سوريا، وظل أغلب ساكنيه على صلة وثيقة مع أكراد ديار بكر وماردين. وقد شكّل الحي مزيجاً من الذين تعرّبوا تماماً، والذين جمعوا بين العربية والكردية، والذين لم يتكلموا إلا الكردية؛ غير أنه كان مجتمعاً مندمجاً في المنظومة الثقافية والسياسية والإدارية لبلاد الشام، وشارك بفعالية في مواجهة جيش الجنرال غورو، وفي الثورة السورية الكبرى، وفي ثورة الشمال.أما أكراد الأطراف الذين هاجروا إلى الجزيرة السورية العليا من كردستان تركيا، ومن الأناضول في الشمال، ابتداءً من عشرينيات القرن الماضي؛ فقد كانوا عشائر حديثة العهد بالتحضر والاستقرار، تلتف حول زعيم عشائري يرتبط في مشاعره بالإمارات الكردية السابقة، مثل بوطان، وبهدينان، وديار بكر. وهي غير العشائر الكردية المستقرة وراسخة الجذور في عامودا وما حولها.

إن هجرات العشائر الكردية من الشمال إلى الجزيرة السورية كانت نتيجة تحطيم الكماليين لـ"معاهدة سيفر" 1920، التي أقرت حقَّ الحكم الذاتي للمناطق التي تسكنها أغلبية كردية وتقع شرق نهر الفرات وجنوب الحدود الأرمنية وشمال سوريا بين تركيا والعراق. هذا الحكم الذاتي كان يمكن أن يتطور إلى استقلال تام.

من نفس القسم الثقافي