الثقافي

يافا وجاراتها.. عودة الغريب إلى بيته

نخوض رحلة في التفاصيل، التي يجري من خلالها تشكيل كل شيء

بكى إسماعيل شموط حين زار اللدّ، جارة يافا، للمرة الأولى، بعد خروجه منها إلى أرض اللجوء. أخذ يمشي في الشارع ويحدّث نفسه. أسماء أبو عياش نقلت ذلك في كتابها "يافا أم الغريب" (دار البيرق، رام الله 2014)، عن زوجته الفنانة تمام الأكحل. لكن ما لم تقله الكاتبة هو أن شموط أخذ يمشي ويحدّث الأمكنة التي رسمها، ليكتشف فيها الأشياء التي لا يعرفها، ليضعها مع ما يعرفه، معيداً تشكيل واقعه وخياله على قماشة واحدة.

قارئ الكتاب، الذي وقعته صاحبته أخيراً في رام الله، سيرى كم هي قريبة منه تلك الذكريات  عن يافا، وسيكون من الطبيعي أن يكتشف مكانه وعدوه وخسارته. أهمية الكتاب تأتي من تشابه سيرة الفلسطيني العادي، في التهجير واللجوء، في الحنين والطموح. فإسماعيل شموط يشبه هشام شرابي، والاثنان يشبهان تمام الأكحل، خصوصاً حين طرقت باب بيتها، لتمنعها مستوطنة يهودية من دخوله. المفارقة أن تلك المُحتلة فنانة تشكيلية حوّلت البيت إلى مرسم.

بحسب حسين البرغوثي فالتفاصيل هي السر، وفي كتاب أبو عياش نخوض رحلة في التفاصيل، التي يجري من خلالها تشكيل كل شيء. ومن التفاصيل الصغيرة نتعرّف على كلبيْ والد الفنانة الأكحل، اللذين أطلق سراحهما ساعة سقوط المدينة. كما نوّم أولاده منعلين أحذيتهم. عمتها التي بقيت في يافا ستين سنة من دون أن يعرف أحد من العائلة أنها حية، إلى حين لقائها بإسماعيل. تنهال كل هذه التفاصيل لتشكّل رواية عن مدينة كان أهلها يربون الكلاب في البيوت في دلالة على الرفاهية، وكانت تصدّر كل سنة برتقالها إلى أوروبا.

كان بإمكان الكاتبة أثناء تسجيل الشهادات لتمام الأكحل وشهلا الكيالي ومثال القمبرجي وغيرهم، وضع تفاصيل تلك الشهادات في سياق تاريخي للمدينة وتطورها، ناهيك بأنّ الشهادات المنقولة كانت كما هي، أقرب إلى المشافهة منها إلى الكتابة، وبدون التفات للقيمة السردية التي احتوتها.

بهذا المعنى، يبقى الكتاب نصاً تسجيلياً نقل عن شهادات شفوية لأبناء يافا المهجرين، والذين عادوا إلى زيارتها بـ"تصاريح زيارة" في زمن الاحتلال.

 

من نفس القسم الثقافي