الثقافي

فاطمة قنديل: بحثاً عن شعرية جبران

كأنه أراد أن يهجر عمداً الجانب الذي يضمن للشعر إنشاده

في كتابها الذي صدر أخيراً عن "دار العين" في القاهرة، بعنوان "الراوي الشبح: شعرية الكتابة في نصوص جبران خليل جبران"، تحلق الشاعرة والأكاديمية المصرية فاطمة قنديل في فضاءات الكاتب اللبناني ـ الأميركي، ساعية إلى التقاط ما يمكن أن يسمّى بجوهر نصوصه.

الكتاب، الذي عملت عليه قنديل طيلة تسع سنوات، يمثل أطروحتها التي كانت تقدمت بها، عام 2005، لنيل درجة الدكتوراه. وصدوره اليوم، بالنسبة إليها، ليس إلا تحقيقاً لأمل ألا يضيع جهدها بين الكم الهائل من الدراسات التي كتبت حول تجربة جبران (1883 ـ 1931).

وفقاً لقنديل، فإننا لو قررنا أن نفصل بين الكاتب والذات الكاتبة، تبعاً لنظرية رولان بارت حول "موت المؤلف"، لترتّب على ذلك إزاحة عدد كبير من الدراسات التي وُضعت حول جبران. سواء تلك التي تعنى بشخصه؛ لأن نصوصه ستتوارى وراء أسطورة الشخص التي نسجها معاصروه من ناحية، ونسجها هو شخصياً حول نفسه من ناحية أخرى، كما يرى ميخائيل نعيمة؛ أو تلك الدراسات التي تحاول فقط أن تستخلص أفكاره الاجتماعية والسياسية والدينية. لذلك، انحازت قنديل أكثر في كتابها إلى نوعية الدراسات التي تعتمد على النص المكتوب وتشكّلاته.وعلى الرغم من إقرارها بأن أهم السمات المميزة لكتابات جبران هي التي نتجت عن وقوفه بين عالمين: عالم الثقافة العربية الذي نشأ فيه واستمد منه هويته، وعالم الثقافة الغربية كونه هاجر إلى أميركا، وعاش فيها القسط الأكبر من حياته حتى موته؛ إلا أنها ترى أننا نخطئ إذا نظرنا إلى ذلك الوقوف بين عالمين على أنه يمثل مرحلتين متعاقبتين في كتابات جبران.

ذلك أن كتاباته العربية ظلت مسكونة بثقافة العالم الغربي، وكتاباته الإنجليزية مسكونة بالشرق الذي لم يتخلص منه، وكتابه "النبي" خير دليل على ذلك.

وبالتالي، من غير الممكن، بحسب قنديل، أن ننظر إلى كتابات جبران إلا على ضوء الجدل الناتج عن التقاء ثقافتين مختلفتين، وهو ما يبرر اختيارها "شعرية الكتابة" مدخلاً لقراءة نصوص جبران. "الشعرية" بالمعنى اليوناني القديم والواسع، كما ورد في "فن الشعر" لأرسطو، والكتابة بمعناها الواسع أيضاً، بعيداً عن صراع الشعر والنثر.

ففي نصوص جبران، تتواشج تقنيات الشعر، كالاستعارة والتشبيه، مع السرد والصورة المشهدية، فنجد أنفسنا أمام كتابة بمثابة مفترق طرق، تتقاطع فيها التقنيات، كما تتعدد الأنواع الأدبية نفسها، كالمسرح والقصة والشعر والرواية. وهو ما جعل قنديل تتخذ "استراتيجيات" مختلفة للقراءة، بدءاً من إنجازات البحث الأسلوبي والسردي، وليس انتهاء بالمصطلحات السينمائية والمرتكزات الأسطورية.

وفي سياق تفسير ابتعاد جبران عن سمة أساسية للشعر العربي في عصره، وهي الالتزام بالوزن والقافية، ترى قنديل أننا إذا توقفنا عند قصائده الموزونة والمقفّاة، كما في "المواكب" وبضعة نصوص متناثرة في "البدائع والطرائف"، سنلاحظ التزامه في أغلب الأحيان بالقافية الساكنة التي تجسّد الصراع بين الصوت والصمت، كأنه أراد أن يهجر عمداً الجانب الذي يضمن للشعر إنشاده، وبالتالي لا يمكن تفسير ذلك من منطلق النزوع الرومنطيقي صوب اجتياز الحدود بين الشعر والنثر فقط، لأننا في هذه الحالة سنختزل الرؤية الخاصة للكاتب في تقاليد مدرسة أدبية بعينها.

 

من نفس القسم الثقافي