الثقافي
مارتين جولي: عصرنا المتلاعب بالصور
تمثّلات الصور تـُفهَم من أناس لم يشاركوا في صنعها
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 ديسمبر 2018
حضارة الصورة اليوم هي "حضارة جديدة، تحمل عوالم وهمية لكنها قابلة للإدراك"، هذا ما تبينه الناقدة الفرنسية مارتين جولي في مقدمة كتابها "مدخل إلى تحليل الصورة" الصادر حديثاً في دمشق بترجمة نبيل الدبس عن وزارة الثقافة.تقول الكاتبة إننا نقرأ الصور ونفكّ رموزها ونؤوّلها من دون أي مؤهـّلات، "بينما نخضع من جهة أخرى بطريقة غير واعية إلى إغراقنا بصور، تبدو بريئة، لكنها، في الحقيقة، تحمل ترميزها الخفي وتتلاعب بعقولنا".
فقد باتت الصورة اليوم موضعاً للتلاعب، وبصعوبة يمكن تمييزها بين الحقيقي والافتراضي، كما أن الحكم على أن تكون صادقة أو كاذبة لا يتم بناء على ما "تُمَثِّل" بل ما "تُوَظَّف" لأجله، عندها نحكم إن كانت صادقة أو لن نقبل فنحكم بأنها كاذبة.
تضع المؤلفة في الفصل الأول من الكتاب أربعين استخداماً لمعنى الصورة وتعريفها لتتكامل العلاقة التي تربط بين مختلف التعريفات المحتملة. وتستكشف الجوانب النظرية في استخدام لفظة الصورة، وكيف أن إدراكها مشروط بطيف واسع من الدلالات غير الواضحة. لهذا تُعْتَبَر الصورة: "هجيناً غير متجانس. تجمع وتنسّق، ضمن إطار معين بين أصناف شتى من العلامات".
ظهرت سيميولوجيا الصورة نحو منتصف القرن العشرين، لينصب اهتمامها أساساً على إيجاد الأداة النظرية لفهم عقلاني لأنواع الصور ولتحليل الرسائل البصرية الأكثر تعقيداً، إضافة إلى مقاربة نظرية سيميائية توّفر إمكانية لتحقيق نوع من التوافق بين الاستخدامات المتعددة لكلمة "صورة".وإن كانت تمثّلات الصور تـُفهَم من أناس لم يشاركوا في صنعها، فهذا يعني أن بينهم حداً أدنى من الاصطلاحية الاجتماعية – الثقافية، وأنها بالتالي تدين بالجزء الأعظم من دلالتها لجانب الرمز. خصوصية العلامة شيء حاضر ندركه بحواسنا ويَدل على مقام شيء غائب، أكان محسوساً أم مجردأً.
ومن بين النماذج المختلفة للصورة يوجد نموذجان رئيسيان مميزان: الصور المصنـّعة، والصور المسَجَّلة: تحاكي الصور المصنـَّعة، بدرجة ما، نموذجاً معيناً لكن محاكاتها تجعلها صوراً "افتراضية"، توهِم بالواقع ذاته. وتـُعدّ الصور الفوتوغرافية، والفيديو، والأفلام السينمائية بمثابة صور مُشابـِهة للأيقونات الصرفة، إلى حدود الكمال، وتتعزز وثوقيتها من كونها صور سُجّلت عن الأشياء الأصلية ذاتها. وإن ما يميزها هو أنها بطبيعتها عبارة عن آثار أو علامات يتركها الموضوع المصوَّر. بالتالي فهي، بالنسبة للنظرية، قرائن قبل أن تكون أيقونات.
يعني الاهتمام بالصورة الاهتمام بتاريخنا وبأساطيرنا وبمختلف أشكال التمثيل التي عايشناها. ولا ريب في أن نهجاً كهذا سيكون من الغنى بحيث يضع حداً للأقاويل التي تنحو نحو اختزال الصورة إلى مجرد صورة إعلامية، أو صور حاسوبية للعلامات المرئية التي تواكبنا، على امتداد حياتنا، مثلما واكبت الإنسان على امتداد التاريخ.