الثقافي

رئيف خوري: ضد المثقف الناعم

ظهر لأول مرة سنة 1941، ضمن موجة صعود تيار القومية في العالم العربي

ضمن سلسلة "طي الذاكرة"، أعاد "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" نشر كتاب "معالم الوعي القومي" لرئيف خوري (1913 - 1967). عملٌ ظهر لأول مرة سنة 1941، ضمن موجة صعود تيار القومية في العالم العربي. كان المفكر اللبناني أحد دعاة القومية، ولكنه اشتغل في كتابه هذا على مناطق سوء فهم الفكرة وسوء استعمالاتها.

يضع خوري قدراً من السخرية كلما طرق أبواب التفكير الجدي، إذ تعترضنا أفكار من قبيل "تبذير النصائح" أو "وعظ المثقفين الناعمين". يمكن اعتبار نقده لفئة المثقفين ريادياً، فالمثقف ظل في الطرح العام الأداة الضرورية للتنوير. خوري لا ينكر عليه هذا الدور، ولكنه يكشف احتمال استغلال هذه القدرة، عن سوء أو حسن نية، في مغالطة الناس.هذا الطرح ليس ببعيد عن تصوّرات غرامشي عن المثقف العضوي والمثقف التقليدي، وهي نقطة يشير لها مُحقّق العمل، جمال شحيّد، فيلاحظ في المقدمة أنه بالرغم من عدم وصول فكر غرامشي للعالم العربي وقتها، إلا أن مفاهيمه تقاطعت مع أفكار مفكرين عرب ومنهم خوري، فطرحوها دون أن يُنظّروا لها.

أتى خوري بنظرة موسّعة للقومية وأخذ يتتبعها في مهودها الأوروبية ليكشف تناقضاتها، ومن ثمّ يقابل بين "قومية تحرّرية"، و"قومية إخضاعية استيلائية". في خضم الحرب العالمية، صعد نجم النازية في الشرق، كان خوري أول من اتجهت أنظاره لتقييم تجربتها في بلادها بالذات، فرأى أن "من يستهدف استعباد الشعوب يبدأ باستعباد شعبه واستخدامه أداة لهذا الاستعباد"، ليوضّح للجماهير أن ادعاءات منح استقلال البلاد العربية من هتلر لن تكون سوى "استبدال قيد بقيد".

من قبل 1948، يربط خوري بين النازية والصهيونية فيعتبرها "فاشية استعمارية"، وإن ادعت بأنها ضحية النازية. يرى أن المغالطات ديدن معظم التيارات السياسية والفكرية حين تحاول التغلغل في مجتمع وتبرّر وجودها، وهي مغالطات يساعدها المثقف الناعم، بعدم نقدها، ينتهي الأمر بطمس الأنوار فلا تصل للناس.

يرى خوري في القومية العربية "نشأة مستأنفة" لا بدّ منها، وهو حين يدقّق في واقع المجتمع العربي يستنتج أن القومية لا يمكنها أن تكون سليمة والجسد العربي يعاني من أمراض "العصبيّات السامة" التي تحركها القوى الاستعمارية. وفي ظل هذا الواقع المريض الذي تنتشر فيه الفكرة، تنمو القومية في شكل آخر هو "الشعبوية، تلك الصورة الرجعية للقومية".إن عمل خوري، علاوة على كونه وثيقة على نقد مبكر لفكرة القومية، يبيّن كيفية انتقال هذه الفكرة إلى العالم العربي ضمن جدال النخبة وتقبّل المجتمع. وإن نقده يفسّر شيئاً مما حصل لنظرية القومية العربية بعد ذلك، وما طال أحلامها من إحباطات.

 

من نفس القسم الثقافي