الثقافي

"سيلفي" وهوس الكمال المطلَق

يقرأ دلالات هوس معظم الناس بالشكل الذي يبدون عليه

في كتابه "سيلفي: كيف أصبح الغربُ مهووساً بالذات؟"، الصادر حديثاً عن "دار بيكادور"، يتطرّق الكاتب البريطاني ويل ستور إلى ظاهرةٍ اجتاحت المجتمعات الحديثة، وإن بدت أكثر وضوحاً في المجتمعات الغربية كما يُشير إلى ذلك عنوان العمل.

تتمثّل هذه الظاهرة في الاهتمام المتزايد بالذات وفق معايير معيّنة أصبحت هي المحدّد الأوحد للنجاح، بحسب المؤلّف الذي يُعيد، في كتابه هذا، تأكيد حقيقةٍ باتت معروفة لدى الجميع، وهي أننا نعيش في عصر الفرد، وهذا الفرد ينبغي أن يكون نحيلاً، ومزدهراً وسعيداً ومنفتحاً، فتلك هي الصورة السائدة اليوم عن الذات المثالية.

يتكرّر التقاؤنا بهذا الشخص في كلّ مكان: في الإعلانات، والصحافة، وجميع وسائل التواصل الاجتماعي. عن ذلك، يقول ستور: "لقد قيل لنا إنه، ولكي تكونَ هذا الشخص، عليك فقط أن تتّبع أحلامك، فإمكاناتك لا حدود لها، وأنت مصدر نجاحك الخاص". غير أن هذا النموذج من الذات المثالية يُمكن أن يكون خطيراً للغاية، فالناس يعانون تحت تعذيب هذا "الخيال المستحيل"؛ حيث يؤدّي الضغط الاجتماعي غير المسبوق إلى زيادة حالات الاكتئاب والانتحار.

يقدّم المؤلّف نماذج عديدة من الافتتان بالذات؛ مثل تلك الشابة التي اعتادت أن تنشغل طوال اليوم بالتقاط صور "سيلفي" ونشرها على صفحتها في منصّة "إنستغرام" مع تعليقات تتمحور حول الذات، في انتظار كلمات التقدير والإعجاب من الأقارب والأصدقاء الذين يتابعونها. ويُرجِع هذه النرجسية المفرطة إلى الدلال الزائد الذي يعامل به بعض الآباء أبناءهم.

ويلفت إلى أن حالة التقاط صور "السيلفي" ليست مريحةً لأصحابها في كل الأوقات، فهي، وعوضاً عن أن تُحقّق لهم ما يرغبون فيه من إشباعٍ نفسي، قد تكون سبباً في تعاستهم، وربّما موتهم أيضاً. يستشهد هنا بإحدى الدراسات التي ذكرت أن ضحايا هذه الظاهرة بلغوا في السنوات الست الماضية 259 شخصاً قضوا بسبب إصرارهم على التقاط صور "سيلفي" على المنحدرات والسكك الحديدية وغيرها من المناطق الخطِرة.

يفتتح المؤلّف كتابه بالفصل رقم صفر، والذي اختار له عنوان "الذات الميتة". يبدأ هذا الفصل بحكاية عن "ديبي"؛ تلك المرأة التي حاولت الانتحار بسبب معاناتها ممّا يُعرف بـ "احترام الذات المتدنّي"، وهي حالة لازمتها منذ الطفولة حتى أوصلتها إلى "كراهية الذات"، بحسب الرسالة التي تركتها على حاسوبها الشخصي.كما يورد حكاياتٍ أخرى لأشخاص حاولوا الانتحار وكُتبت لهم النجاة، أو كانوا على علاقة بآخرين انتحروا فعلاً، معتبراً أن ما يجمع بين تلك الحالات هو أن جميع أصحابها كانوا ضحايا لما يُمكن تسميته البحث عن نموذج الكمال؛ فكلّهم كانوا يسعون إلى أن يكونوا ذلك الإنسان الكامل. لكنهم، وبعد أن أخفقوا في تحقيق ما كانوا يتوقون إليه، آثروا الانسحاب من السباق برمّته، أي وضع حدّ لحيواتهم.

وفي الفصل الثاني، الذي حمل عنوان "الذات الكاملة"، يقرأ المؤلّف دلالات هوس معظم الناس بالشكل الذي يبدون عليه، فالكثيرون مثلاً يُحاولون، وبشتّى الوسائل، التخلُّص من الوزن الزائد، وثمّة من يربط بين مظهر الإنسان والقيم الأخلاقية، حين ينظرون مثلاً إلى ذوي الأوزان الزائدة وكأنهم خالفوا قوانين الأخلاق عندما لم يهتموا برشاقتهم.

 

من نفس القسم الثقافي