الوطن

الدولة تدعم جيوب المنتجين وليس "الزوالية"؟!

جل المواد المدعمة في الأسواق تباع بأسعار تفوق تلك المحددة في القوانين والمراسيم

في كل مرة ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية يتحجج مسؤولونا باقتصاد السوق الحر كعامل يمنع الحكومة من التدخل لتسقيف أي أسعار، في حين يتم التأكيد أن صلاحيات أجهزة الرقابة تتمثل في مراقبة أسعار المواد المقننة التي لا يمكن أن ترتفع، لأن ذلك سيكون مخالفا للقانون. غير أن واقع الأسواق يقول العكس، حيث لا يوجد ولا مادة مدعمة من الدولة تباع بالسعر القانوني، بدءا بالحليب، الخبز، السميد، السكر وحتى الزيت، حيث ترتفع أسعار كل هذه المواد وفق ما يفرضه المنتجون، ما يعني أن الدولة تدعم جيوب المنتجين وليس الزوالية.

في جولة قادتنا أمس إلى عدد من الأسواق والمحلات التجارية، وقفنا على أسعار المواد المدعمة التي تعد جلها مرتفعة عما يفرضه القانون، في ظل غياب الرقابة الحقيقية على المنتجين وكذا التجار الذين يتحججون بأن الارتفاع ليس على مستواهم وإنما مفروض من أول السلسلة التجارية، وتصل المواد المدعمة إلى المستهلكين بأسعار تمثل أحيانا الضعف، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات عن وجهة الدعم الأول للمنتجات وكذا دور أجهزة الرقابة ومن المستفيد من استمرار الدعم للسلع.

 

بحث في فائدة الحليب المدعم والسعر المقنن!

 

ويعد الحليب أولى المواد المدعمة والأكثر استهلاكا، حيث يعاني الجزائريون كل مرة من أزمات ندرة وسوء توزيع وحتى أزمة أسعار، ويدخل العديد من الجزائريين، خاصة في الولايات الداخلية، في رحلة بحث واسعة عن مادة الحليب المدعم، حيث أنهم غالبا ما يجدون صعوبة في العثور عليه، مقابل توفر الأنواع الأخرى.

لكن الأكثر خطورة أن مادة الحليب المدعم باتت تدخل عالم المضاربة. ففي العديد من الولايات، منها العاصمة، يعمد عدد من أصحاب المحلات التجارية إلى رفع سعر الحليب المقنن إلى 30 دينارا، أي بفارق 5 دنانير إضافية، وأحيانا إلى 35 دينارا خاصة بالنسبة للمحلات التي توفر مادة الحليب على فترات من اليوم، مقابل ندرة تشهدها محلات أخرى، في حين يفرض متعاملون خواص الحليب بأسعار مرتفعة تحت أغطية متعددة، حيث يرفعون سعر الحليب الموسوم بالحليب المقنن إلى 30 دينارا، وهو أمر غير قانوني، كون الحليب مادة مدعمة وهناك مرسوم يحدد سعره بـ25 دينارا.

 

السميد... مادة مدعمة تباع بضعف أسعارها

 

زيادة على مادة الحليب المدعم، يعد السميد من أكثر المواد لتي تعرف فوضى أسعار، رغم أنه مادة مدعمة.

وتم تحديد سعر السميد العادي بـ900 دج لكيس 25 كلغ، و1000 دج للسميد الرفيع لكيس 25 كلغ، إلا أن المطاحن لها منطق آخر، حيث تفرض هذه الأخيرة أسعارا تفوق بكثير الأسعار المقننة، ما يجعل السميد بالمحلات التجارية يباع بأسعار تصل 80 دج للكيلوغرام الواحد، وهو ما يمثل ضعف السعر المقنن.

وعند استفسارنا عن سبب ارتفاع الأسعار، أجمع التجار على أنهم يقتنون السميد من بعض المنتجين بأثمان تفوق السعر المقنن، مؤكدين أن هؤلاء يرفضون تقديم فاتورة تحمل السعر الحقيقي لهذه المادة، ومنهم من يكتبها بالقلم ويرفض منح التاجر وصلا رسميا يحمل السعر الخاص بالمصنع، وهذا ما يدفعهم إلى شراء مادة السميد من دون فاتورة ويجعلهم في نظر القانون تجارا غير شرعيين يبيعون السميد بطريقة غير قانونية، ويعرضهم إلى العقوبة، ما يعني أن تدعيم مادة السميد في الجزائر هي أكذوبة وتحايل، المستفيد الأول منها بعض المصانع الذين يبيعون منتوجاتهم لتجار التجزئة بأسعار مرتفعة، في ظل غياب تام للرقابة على المصانع والمطاحن من طرف الوزارة.

 

الزيت والسكر... احتكار ورفع في الأسعار

 

هذا ويعد الزيت والسكر من المواد المقننة أسعارها، حيث حدد مرسوم تنفيذي السعر الأقصى للزيت والسكر عند الاستهلاك وكذا هوامش الربح القصوى عند الإنتاج والاستيراد وعند التوزيع بالجملة والتجزئة، ووضع المرسوم الأسعار القصوى مع احتساب جميع الرسوم لصفيحة الزيت ذات 5 لتر وقارورة 2 و1 لتر على التوالي بـ600 دج و250 دج و125 دج، فيما تم تحديد الأسعار القصوى لكيلوغرام السكر الموضب بـ95 دج و90 دج بالنسبة للسكر غير الموضب.

وتنص المادة الرابعة من المرسوم على أن هامش الربح الأقصى عند الإنتاج للزيت الغذائي المكرر العادي والسكر الأبيض تحدد بنسبة 8 بالمائة وتحسب على أساس سعر التكلفة خارج الرسوم، غير أن ما هو موجود في الأسواق عكس المفروض قانونا، فأسعار السكر تصل وتتجاوز أحيانا الـ 100 دج بالنسبة للسكر الموضب وغير الموضب، في حين تصل أسعار الزيت حدود الـ 650 دج لصفيحة 5 لتر، مع وجود فترات مضاربة تفوق فيها الأسعار هذا المستوى، خاصة أن إنتاج الزيت والسكر محتكر محليا.

 

الخبز.. زيادات غير قانونية ومطالب بزيادة أكبر

 

من جانب آخر، تعد أسعار الخبز من أكثر الأسعار إثارة للجدل، خاصة في الفترة الأخيرة مع بروز مطالب بزيادة الأسعار وإقرار زيادات عشوائية خيالية من طرف بعض المخابز، وحتى التحايل في وزن الخبزة من أجل رفع الربح. 

وقد حدد مرسوم وزاري السعر الحقيقي للخبزة في حدود 7.5 دينار بالنسبة للخبز العادي و8.5 بالنسبة للخبز المحسن، غير أن المواطنين يقتنون الخبز العادي بـ10 دج والخبز المحسن بـ15 دج من عند المخبزات، في حين قد يرتفع السعر أكثر إذا تعلق الأمر بمحلات البقالة التي تبيع الخبز، أو حتى عندما يتم تسويق هذه المادة على الأرصفة. 

والأغرب أن مطالب رفع أسعار الخبز لا تتحدث عن رفع السعر من 8.5 بالنسبة للمحسن و7.5 بالنسبة للعادي لسعر أعلى، وإنما تطالب برفع سعر الخبر من 10 و15 دينارا إلى سعر أعلى، وهو ما يعني أن التكلفة الحالية التي يباع بها الخبز أصلا مرتفعة وغير قانونية ومن المفروض أن إحداث تغييرات في تسعيرته يتطلب تعديل المرسوم الوزاري وليس مجرد قرارات نقابة أو حتى وزارة.

س. زموش

 

من نفس القسم الوطن