الثقافي
بوكر 2014 لـ"فرانكشتاين في بغداد"
تمتصّ الرواية تلك المنجزات، لتعيد سؤالاً قديماً هو سؤال المخلّص. لكنّها تربطه واقعياً بالعراق
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 نوفمبر 2018
تذكّرنا رواية أحمد سعداوي "فرانكشتاين في بغداد" (دار الجمل، 2013)، التي حازت جائزة "بوكر" العربية، بروايات البرتغاليّ جوزيه ساراماغو التي تنطلق دوماً من فرضية أو من سؤال، وبالتّالي يتحوّل النص إلى برهنة على تلك الفرضية، أو إلى إجابة عن هذا السؤال. كما تذّكرنا بأدب الخوارق والعجائب، ذلك النّوع الذي يمتد من الأساطير القديمة والحكايات الشعبية، إلى قصص إدغار ألن بو وخورخي لويس بورخيس. إضافة إلى استلهامها لخلاصات سينما الخيال العلمي والرعب.تمتصّ الرواية تلك المنجزات، لتعيد سؤالاً قديماً هو سؤال المخلّص. لكنّها تربطه واقعياً بالعراق، في ذروة العنف الطائفي بين عامي 2005-و2006، حين تجعل ذلك البطل مصنوعاً، شلواً شلواً، قطعةً قطعةً، من ضحايا التفجيرات. فيصبح هذا الشخص الذي لا اسم له (هو "الشسْمَهْ" بالعامية العراقية) تعبيراً عن الأسماء كلها، كما هو، أصلاً، الأجساد كلها.
لم يدر في بال هادي العتّاك بائع العتائق البغدادي الذي فقد عمله، أنه بينما يلملم ويجمّع أشلاء ضحايا التفجيرات، تفجّعاً على موت صديقه في إحداها، أنه يصنع هذا الكائن الغريب غرابةَ حكاياته التي يرويها في المقاهي، ولا يصدّقها أحد. كما لم يخطر للصحفي الشاب محمود السوادي، حين يحصل على المقابلة الوحيدة معه، أنه سيسمّي اللامسمّى. مَن يعرف فقط هو ذلك الجسد المشكّل من أجساد الموتى. يعرف أنه آتٍ لتحقيق العدالة، وأنه مملوء بالموتى الأبرياء ليثأر لهم. كما يعرف أنه يحتاج إلى مزيد من الموتى، كي يرمّم بهم جسده بعد كل معركة، حتى يواصل مهمته إلى نهايتها.لكنّ مشكلته هي ذاتها مشكلة العقل الواحديّ، الدكتاتوري الذي جر علينا الويلات. كارثته تبدأ حين يرقّعه أتباعه ببقايا وأشلاء لمجرمين، في نوع من الحل الإسعافي كي يصمد بعد إحدى المعارك. من هنا ولاحقاً سيفرض ذلك اللحم الدخيل عليه نوازع إجرامية، وستغيّر استراتيجياته من منتقم للضحايا إلى قاتل يقتات على ضحاياه: "يتغير وجهه كل حين.. لا شيء يدوم فيه سوى هذه الرغبة في الاستمرار. يقتل من أجل أن يستمر. هذا هو مبرره الأخلاقي الوحيد".
عندما يكتمل الوحش تتحوّل الأشلاء التي يتكوّن منها إلى دلالات أخرى، تمسّ الهوية الوطنية العراقية. فكما هو من مكونات مختلفة شكلّها الموت، كذلك هي هوية العراق، بين ماضي الحروب والاستبداد، وبين حاضر الاحتلال والاستتباع، وبين غد التفتّت.