الثقافي
حَمُّور زيادة يسير على أشواك الدولة المهدية
يتَّخذ الكاتب من معضلات الإنسان الأزلية خيوطاً رحلة أبطاله
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 16 نوفمبر 2018
في روايته "شوق الدرويش" الصادرة حديثاً عن دار "العين"، يتَّخذ الكاتب السوداني حَمُّور زيادة من معضلات الإنسان الأزلية (الحرية، الحب، الإيمان) خيوطاً يشكلها بمهارة ليضيء رحلة أبطاله المثخنين بمصائرهم القاتمة، في حقبة من أشد الحقب دمويةً في تاريخ السودان.
تسرد الرواية رحلة أبطالها الثلاثة الذين ربطتهم أقدارهم بأحداث جسام، في خرطوم أواخر القرن الثامن عشر، ليكونوا شهوداً على عبثية الحياة التي تفرّقهم ثم تلقي بهم في نهايات متشابهة، يقودهم إليها السؤال العتيد عن معنى الإنسان.
فما يجمع بين "بخيت منديل" و"ثيودورا إليفثيريوس/حواء" يظل هو التخبُّط وضياع ملامح الطريق لكلٍّ منهما في رحلته إلى ذاته، وهو الأمر الذي عاناه "الحسن الجريفاوي" مدفوعاً مثل سابقيه بإيمانٍ يتعرّض كل يوم للاختبار والزعزعة؛ لتصير حيوات الأبطال الثلاثة أشبه بسلسلة من القيود التي كلما انفكّ أحدها حل محله قيد جديد.
تبدأ الرواية من نهاية الدولة المهدية، عقب "معركة أم درمان" (أيلول/ سبتمبر 1898)، حيث يتحضَّر "بخيت منديل" للأخذ بثأرٍ أبقاه حيَّاً لسنوات في "سجن الساير" الرهيب. ثأر يأخذنا خلفه، في 460 صفحة، إلى رحلة عبر أكثر السنوات ظلاماً في تاريخ السودان الحديث، مقتفين مع "بخيت" قتلة "ثيودورا/ حواء"، حبّه الذي لم يتحقّق، ومستكشفين، في سياقات متعددة، مآسي التاريخ الذي يوظِّفه زيادة لا كخلفية للأحداث فقط، بل كخيط في نسيج السرد ذاته.من جهتها، تزوّدنا رحلة الراهبة الأرثوذكسية "ثيودورا إليفثيريوس" من الإسكندرية إلى الخرطوم بوصف دقيق للسودان في ذلك الوقت من وجهة نظر الأجانب؛ وهي وجهة النظر التي تمنحنا كذلك رواية (الضحيَّة) عن الأحداث العاصفة التي صاحبت قيام الثورة المهدية، ومن ثم وقوع "ثيودورا" في الأسر لتصبح جارية في منزل أحد كبار المهدويين، حيث أجبرت على اعتناق الإسلام وخُتنت وتم تغيير اسمها إلى "حواء"، قبل أن تضع الأقدار في طريقها "بخيت منديل" القادم لتوّه من نير الأسر في مصر بعد هزيمة جيش "النجومي" في توشكي، لتشكل علاقتهما المعقّدة العمود الذي يسند عليه الكاتب سقف تأملاتهما وتساؤلاتهما الكاشفة.
كذلك يلقي زيادة الضوء على وجهة نظر السودانيين للأحداث، من خلال متابعة تفاصيل حياة "الحسن الجريفاوي"، طالب القرآن بمسيد أحد كبار المتصوفة، الذي زوّجه ابنته، قبل أن يقرر "الجريفاوي" الالتحاق بالمهدي من أجل الانتقام من مظالم الحكّام الأتراك الواقعة على السكان. ويضعه الكاتب في مسارٍ يوضح للقارئ مدى الإيمان الشعبي بالمهدي، إيمان قاده في النهاية إلى التشكك والارتياب في كل شيء، قبل أن تلقيه المقادير أيضاً في طريق "بخيت منديل".هي ثلاث شخصيات رئيسة يجدل حولها زيادة قصة الحب والموت والإيمان وتساؤلات الحرية بحذق يجعله يغطي فترة واسعة وغنية بالتفاصيل من تاريخ المهدية، على الرغم من التوتر والحساسية التي تعتري تناول هذه الفترة نظراً إلى الاختلاف بين من يرونها ثورة وطنية طردت الاستعمار التركي لكن تم تشويهها من قبل المؤرخين الأجانب، والفريق الآخر الذي ينظر إليها بوصفها حقبة من الإرهاب والقتل والترويع بسبب التطرّف الديني، وذلك بالاستناد إلى الروايات الشفهية المحلية وما سطّره الناجون من الأسرى المصريين والأوروبيين.