الثقافي

الناشرون الجزائريون بين النشر الشامل والتخصص

ناشرون في تخصصات ضيقة

حضور لافت للكتاب الإلكتروني في صالون الجزائر الدولي للكتاب 

 

تحصي الجزائر اليوم عددا مهولا من الناشرين يصل  حدود 1000 ناشر بسجل تجاري بينما لا ينشط في المشهد إلا جزء منهم, ولا يشارك  في الصالون الدولي للكتاب إلا 276 ناشرا في هذه الطبعة أغلبها بقائمة منشورات  غير منسجمة, وضمن دور النشر يوجد القليل منها فقط من امتلكت شخصية واضحة، ورغم أن الكثير من دور النشر تكرست في مجال أو نوع نشر بعينه, إلا أن  "الناشرين العشوائيين" يملؤون الفضاء, حيث يوجد العشرات من الناشرين الذين  يقدمون كتبا في شتى المجالات وبشتى المستويات, وهو ما يلاحظ عبر جولة سريعة  بين أجنحة العارضين في الصالون الدولي للكتاب.

يظهر عدد من الناشرين الذين يمثلون مراكز البحث العلمية والمخابر التي تقدم  منشورات متخصصة ودقيقة, بينما يختار الناشرون العموميون على غرار ايناق وأناب  النشر في مختلف المجالات كطريقة دعم للكتاب ما غيب خطا واضحا للنشر لديهم.

ويمكن احصاء دور نشر -على قلتها- اختارت كل المجالات من الفكر والثقافة  والتاريخ والأدب, ولكنها امتلكت خطا واضحا وانسجاما نسبيا في منشوراتها  بالإضافة إلى رصيد مهم مثل منشورات الشهاب ودار القصبة وحبر.

ويرى اسماعيل محند من منشورات حبر أن الدار "تنشر الكتب التي تدخل ضمن  اهتمامها وخطها" وعن ملامح هذا الخط قال انه "لا يخرج عن الكتاب المعرفي في  التاريخ والادب والعلوم" مشددا أن "نشر كتب شعبية ومدرسية ليس من اهتماماتنا".

ومن جهته حسان بن نعمان يؤكد أن منشورات دار الأمة "منسجمة مع خطها الذي  يتبنى +ثوابت الأمة+" ولهذا فهي "تنشر كتب التاريخ والمذكرات" وتسعى إلى  الاحتفاء بالإرث الثقافي الجزائري أولا" وهو حسب المتحدث ما جعل الدار "تقدم  عيون الدراسات والكتب الثقافية والتاريخية والفكرية التي أنجزها أعلام الجزائر  أو أنجزت عنهم".

وتسعى دور نشر أخرى إلى تضييق التخصص والتوجه نحو قارئ نوعي على غرار منشورات  البرزخ التي يؤكد مسؤولها سفيان حجاج أنه ومنذ "عشر سنوات أو أكثر توجهت الدار  إلى الأدب الفرانكفوني بالإضافة إلى كتاب أو اثنين في التاريخ خلال الموسم  أغلبها يتطرق لتاريخ الجزائر الحديث" وهو ما حدد لها قرائا وسهل مهمة تعريفها.

 

ناشرون في تخصصات ضيقة

 

افرزت السنوات الأخيرة عددا من الناشرين الذين منحوا دورهم شخصيات صريحة  والتزموا بخطوط واضحة, فاصبح في الجزائر ناشرون أدبيون وآخرون متخصصون في شق  أو نوع من الأدب وآخرون في مجالات مختلفة: التاريخ من تخصص دار دحلب والأدب  الافريقي من تخصص منشورات أبيك والكتاب الأكاديمي لدى منشورات ديوان المطبوعات  الجامعية.

وظهرت دار المكتبة الفلسفية الصوفية كمتخصص في الدراسات الفلسفية الصوفية  وكتاب التصوف خلال السنوات الماضية حيث أصبح جناحها في كل موعد كتاب محج  المهتمين بالتصوف ودراسته.

كما اختار مسيرو منشورات أبيك الالتفات إلى الخلف وتبني الأدب الإفريقي,  لتتحول في سنوات قليلة إلى أهم مراجع الأدب الإفريقي وكتب النقد الكولونيالي  بالجزائر وهو ما اعتبره الناشر "خيارا ينسجم مع التاريخ والجغرافيا ومع منطق  وروح الجزائر الحقيقية".

وراهن سمير جمعة مدير دار كولور سات على فنية الكتاب والطباعة التي يتقنها  حيث جاء إلى النشر من عالم الفنون المطبعية والصورة ليقدم كتبا رفيعة عن  الفانتازيا ومدينة الجزائر والاحتفاليات التقليدية على غرار "قورارة" وغيرها,  معتمدا التجربة الفنية, وهو ما جعل منشورات كولور سات تكتسب شكلا ومضمونا  مميزا.

واختارت دار "زاد لينك" الشريط المرسوم لتصبح الدار الوحيدة المتخصصة في هذا  المجال والمشارك الدائم في مواعيد الكتاب كما أصدرت أربع ألبومات جدد ومجلة  مؤخرا, وهو الخيار الذي اعتبره مسيرها سليم براهيمي ناجحا اذ أوجد "قراء  ومهتمين دائمين" للدار و يتابعون أخبارها.

 

حضور لافت للكتاب الإلكتروني في صالون الجزائر

 

في حين راهنت دار الوفاء، منذ تأسيسها، على النشر الإلكتروني من أجل ترقية المعرفة لدى الفرد الجزائري، وترغيبه في التعلم والاستزادة من المعرفة بمختلف أشكالها وصورها، حيث راحت الدار تُصدر العديد من المواد التي لاقت إقبالا كبيرا ورواجا لدى القارئ الجزائري، وخاصة لدى فئات الأطفال والشباب.

ويؤكد مدير دار الوفاء بخصوص أهمية الكتاب الإلكتروني بأنه هو ذلك الوسيط الذي يمنح القارئ لحظات من الاستمتاع والاستماع إلى المعرفة الموجودة في الكتاب، لأن الكتاب المسموع يُشكّل عمادة تقنية تتيح للإنسان استثمار وقت آخر في سماع أرقى ما يكتب من الآداب والفنون، كما أن استثمار التقنية الحديثة في ترقية الذائقة الأدبية، والارتقاء باللغة والفنون التعبيرية، اقتضى من مؤسسة الوفاء للنشر الإلكتروني العمل على خوض رهان حقيقي في سبيل تقديم خدمة مختلفة، لكنها هافة لصالح المنتوج الثقافي الجزائري الذي يشكل قيمة مضافة في رصيد الثقافة العربية والعالمية.

ويضيف عمار عريبي بأن مؤسسته عملت هذا العام على مواكبة فعاليات الصالون، الذي استضاف دولة الصين، فقامت بإصدار منتوج جديد لتعليم اللغة الصينية، يضاف إلى العديد من المنتوجات الأخرى التي راهنت الدار من خلالها على ربط القارئ والمتعلم الجزائري بلغات العالم المختلفة على غرار الفرنسية، الألمانية، والروسية، والإسبانية، وغيرها. كما عملت دار الوفاء على إصدار الكثير من السلسلات الموجهة للأطفال أهمها سلسلة التلوين العملاقة التي يتعلم الطفل من خلالها تعلم كيفية تلوين الرسومات بطريقة هادفة وجذابة وهي من تصميم فريق مؤسسة الوفاء، وتضم مختلف الأشكال والأرقام والحيوانات ووسائل النقل.

كما أصدرت أيضا سلسلة أخرى تتناول سير العظماء على لسان طفل صحفي يقوم بسرد تلك السير، التي تضم البشير الإبراهيمي، فاطمة نسومر، هواري بومدين، عبد الحميد بن باديس، ابن خلدون وغيرهم، إضافة إلى سلسلة أخرى تُعنى بالرحلات، وهي تأخذ الطفل إلى بعض المناطق الأثرية والسياحية داخل الجزائر في قالب شيق على غرار تمنراست، سيدي فرج وقسنطينة وغيرها من المناطق الجزائرية.

 

دعوة للناشرين العموميين لتخصيص برنامج للكتاب الأمازيغي

 

هذا ودعا أكاديميون وباحثون وناشرون دور النشر العمومية الجزائرية إلى إيجاد "برنامج نشر دقيق"  للكتاب الأمازيغي  انطلاقا من عام 2019، وشدد المتدخلون -في ملتقى حول الأدب الأمازيغي في إطار فعاليات صالون الجزائر  الدولي ال23 للكتاب (سيلا)-على ضرورة أن يقوم الناشرون العموميون بـ "ترقية  توزيع"  هذا الكتاب و"توفيره بأسعار معقولة تجسيدا للتوجه السياسي للدولة الجزائرية" في هذا المجال، وتتمثل دور النشر العمومية في كل من "المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية"  و"الوكالة الوطنية للاتصال النشر والاشهار" بالإضافة إلى "الديوان الوطني  للمطبوعات الجامعية".

كما شدد هؤلاء المتدخلون على ضرورة مرافقة المركز الوطني للكتاب لدور النشر  بالأمازيغية في عمليات التكوين والتأطير ودعم حركة الترجمة للأمازيغية  بالإضافة إلى "جمع  الإبداعات الأدبية الشفوية" الأمازيغية بجميع لهجاتها.

وأكد الكاتب والناشر بالأمازيغية ابراهيم تازغارت في هذا السياق على ضرورة  إيجاد "ديناميكية" للنشر بهدف إبراز الأدب الأمازيغي منوها بـ الدور الذي تقوم  به دور النشر  الخاصة (بهذه اللغة) على قلتها ومتأسفا لـ "غياب" سوق للكتاب الأمازيغي.

وحول هذا الموضوع دعا تازغارت إلى "إنشاء صندوق" خاص بدعم اللغة الأمازيغية  وإيجاد "ورشة ترجمة" ما بين لهجاتها معتبرا في هذا الباب أن هذه الترجمة  يمكنها أن تكون "رصيدا وثائقيا" للأكاديمية الأمازيغية المزمع إنشاؤها أواخر  العام الجاري.

وتأسف من جهته الباحث الجامعي من تمنراست عبد الله صديقي لـ "غياب" الأدب  المكتوب لدى الطوارق منوها بالروائي الليبي التارقي إبراهيم الكوني الذي وصف  إبداعاته بـ "الكنز" للأدب والثقافة التارقية، وذكر المتحدث بأن الاهتمام بالثقافة التارقية كان دائما "من طرف الأجانب"  مشددا من جهة أخرى على أن الموروث الشفوي التارقي من أمثال وحكم وحكايا شعبية  وغيرها قد  "ساهم في الحفاظ" على لهجة "تاماهاق" في ظل غياب التدوين.

وأبرز من جهته الباحث الجامعي في الثقافة الأمازيغية من خنشلة محمد صالح  أونيسي "غياب" الإبداع الأدبي المكتوب بالشاوية معتبرا أن التراث الأدبي  الشفوي الشاوي "محصور أساسا في الأغاني والنصوص الشعرية الغنائية "، وأما الأكاديمي من جامعة أدرار الطاهر عبو فذكر بأن اللسان الزناتي بمنطقة  "قورارة" (أدرار) كان على "وشك الاندثار" بعد الاستقلال لولا "الدور" الذي  لعبه مولود معمري  الذي "أعاد إحياءه" عن طريق اهتمامه بتراث "الآهليل" الشعبي وهو احتفالية  دينية اجتماعية تمزج بين الموسيقى والاغاني والرقص والاشعار وتم تصنيفها من  قبل اليونسكو ضمن التراث اللامادي للإنسانية في 2008.

وتأسف المتحدث في سياق كلامه لـ "العزوف الحالي للنخبة المثقفة" بالمنطقة عن  الإنتاج بهذا اللسان.

 

منشورات الوطن اليوم: محطات الراحة على طول الطريق السيار للترويج للقراءة

 

وبالنسبة لكمال قرور من دار "الوطن اليوم" فإن "رسالة الدار هي نشر المواطنة"  مضيفا "اخترنا الكتاب ايمانا منا بأن المواطنة تبدأ من فعل حضاري هو القراءة"  وعن نوعية الكتب التي تدخل ضمن الاهتمامات وسياسة النشر لديهم, يرى قرور أن  "استراتيجية الدار بنيت على تقريب الكتاب من القارئ"، ويقترح قرور نموذجه للاختلاف عن الناشرين من خلال تسويق كتاب الجيب الذي يقول  أنه "كتاب حامل للمعرفة والأدب والذوق الرفيع وفي الوقت ذاته غير تخصصي بعمق"  مؤكدا أنهم في هذا السياق نظموا مسابقات قراءة ما تزال متواصلة.

ويؤكد كمال قرور أن المشروع الذي أطلقته منشورات الوطن اليوم يمتد على المدى الطويل، ويهدف إلى خلق قارئ، وناشر، وفاعل ثقافي فعال، وليس متفاعل، وهذا عبر الذهاب مباشرة إلى القارئ عوض انتظاره،  وتطمح الوطن اليوم إلى إرساء تقاليد ايجابية، سواء في الترويج للكتاب، أو خلق محفزات لتشجيع القراءة عبر إطلاق مشروع” ألفية القراءة” وجائزة “القراءة والتلخيص“.

ويوضح أن مشروع ألفية القراءة قدمنا من خلاله سلسلة من كتب الجيب، التي تهدف إلى جعل الكتاب في متناول القارئ بحيث يكون الكتاب في حجم الهاتف النقال تماشيا مع إيقاع العصر من جهة وتكيفا أيضا مع الصعوبات الاقتصادية، التي أثرت على القدرة الشرائية للمواطن. ونحن نرمي إلى نقل الكتاب من مجرد ترف فكري إلى حاجة يومية بحيث يكون جزء من حياة الناس مثل الخبز والهواء. وقد سمح لنا هذا المشروع بالتكيف مع متطلبات العصر وكذا الترويج للثقافة الجزائرية بمختلف جوانبها.

أما في رده على سؤال حول جائزة للتلخيص والقراءة التي اطلقها فيقول في رده على سؤال حول ذلك لمجلة المعرض:" الجائزة ترمي إلى تشجيع القراءة وتحفيز الشباب على الكتابة والمطالعة. ومن خلال تعويد الشباب على الكتابة والقراءة يمكن أن نخلق ليس فقط قارئا بل كاتبا مستقبليا محتملا، وكذا كسر حاجز الخوف من الكتاب وجعله ضمن يوميات شبابنا"، مضيفا: "المشروع سنعمل بعد المعرض على الترويج له في الجامعات والمؤسسات التربوية عبر معارض على المستوى الوطني. فنحن نذهب إلى القارئ عوض أن ننتظر أن يأتي إلينا و نأمل أن ينخرط الأولياء و المؤسسات مع هذا المشروع الطموح".

وقال سنعمل أيضا على تجنيد نقاط البيع التي تحوزها الدار على مستوى30 ولاية إضافة إلى النقاط الستة على مستوى محطات الراحة على طول الطريق السيار شرق غرب في انتظار أن نتسلم العشر محطات الأخرى، ونحن نطمح أن نكون فعالين وفاعلين بدل أن نكتفي بالبكاء على الأطلال نرمي إلى المساهمة في  تفعيل المحيط، يقول قرور.

أما فيما يخص تجربة كتاب الجيب: " لا يرتبط بالوضع الاقتصادي بقدر ما يرتبط بمناخ عام. هناك جو سلبي في مجتمع غير قابل للنماء، هناك التباس وحالة إحباط عامة. المجتمع يقبل على استهلاك الثقافة عندما يكون منسجما مع نفسه ومتصالحا مع ذاته ولكننا اليوم كمجتمع يعاني من عقد كثيرة وإشكالات جعل من الاستهلاك الثقافي هامشا غير مهم بل وقد يصير نقيصة وسبة بالنظر لانقلاب سلم القيم  الذي يرى المثقف عموما شخص مفلس".

مريم. ع/ فريدة. س

 

من نفس القسم الثقافي