الثقافي

"أصول الناصورائية المندائية": العرفانية في وادي الرافدين

يعتبر الماجدي أن مصطلح "الصابئة" خاطئ من أساسه

الخلاف حول الديانة المندائية وأصل نشأتها وتعاليمها، والاختلاف حول عمله الأقدم "جذور الديانة المندائية"، دفَعَا الباحث العراقي خزعل الماجدي إلى تقديم كتابه الجديد بعنوان "أصول الناصورائية المندائية في آريدو وسومر" (فضاءات)، في بحث يعتمد المنهج المقارن بين الدينَين؛ المندائي الناصورائي، والسومري.

تركزت الدراسات السابقة في بُعدين؛ الأول يناقش صلات هذه الديانة القديمة من تشابه واختلاف مع ما اصطُلح على تسميته بـ"الأديان السماوية"، ونتيجة وجود اجتهادات متعددة لدى كل دين سماوي لا يفترض أغلبها الموضوعية في وصف المندائيين وعبادتهم ومقدساتهم. والثاني، هو إصرار باحثين كثر على ربطهم بنهر الأردن وفلسطين بسبب إيمانهم بيوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا)، وفي ذلك نفي "مضمر" لجذورهم الممتدة إلى ديانات بلاد الرافدين القديمة.المندائية ديانة غنوصية مبكرة، وهي العرفانية بأدق وأكمل أشكالها، وأخذت بالتشكّل حين بدأت تتقوّض أركان الديانة البابلية من جهة، وتتبلور الزرداشتية واليهودية من جهة أخرى، لتكون المندائية تلك الخميرة المعتقة لعقائد وادي الرافدين، إذ إنها تجمع في نسيجها الديانتين الجديدتين -وقتئذ- لكنها لا تكشف عن نفسها؛ لأنها إذا أعلنت تعاليمها وأسرارها فستموت، وفق رؤية الكتاب.

يرى الماجدي أن الناصورائيين هو الاسم الأول الأقدم للمندائيين، لكنه يعني اليوم "المتمكّن من أمور الدين والعالم بأسراره الخفية سواء أكانت له صفة كهنوتية أم لم تكن"، ويصل في استنتاجه إلى أبعد من ذلك، بأن الناصورائيين هم أحد شعوب وادي الرافدين، الذين ظهروا في السهل الرسوبي الجنوبي بين دجلة والفرات، وكانوا يؤمنون بعقائد الخصب القديمة، التي أصبحت تدور حول الإله الذكر، وليس حول الإلهة الأم في بداية عصر الكالكوليت (العصر الحجري النحاسي).قراءة المندائية بإعادتها إلى جذرها العراقي تقود الباحث إلى افتراض أن أتباعها هم من أسّس أول مدينة في التاريخ، وهي أريدو، التي كانت عند فم الفرات، وهو يصب منفرداً في الخليج العربي، وهناك ظهر أول معبد في التاريخ فيه إله الماء (إيا)، الذي كان السومريون يسمونه "إنكي"، مع ترجيح أن الـ"ناصورا" أو "نسّار"، هم الشعب الذي أسس حضارة أريدو وأسس لديانة الماء الأولى.

ويفنّد كذلك بعض الشواهد، التي ترد في التراث الروحي للمندائية، مشيرة إلى اليهودية أو المسيحية أو بعض الأسماء والمفردات والأعلام، بأنها لا تذهب بنا إلى فلسطين والأردن. وهنا يعتقد الماجدي أن احتكاك المندائيين باليهود والمسيحيين قد حصل على أرض وادي الرافدين في أزمان متفاوتة، إذ عرفوا اليهود بعد السبي البابلي في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وعرفوا المسيحية منذ القرن الميلادي الأول حين قدِم المبشرون إلى وادي النهرين.

ويؤكد الماجدي في موضع آخر أن مصطلح "صابئة" العربي الإسلامي هو خاطئ من أساسه، ولا يشير أبداً إلى مجموعة دينية معينة، بل هو مصطلح عام يشير، مرّة، إلى الأديان القديمة، ومرة إلى الخارجين عن تلك الأديان، في خلط بينهم وبين فرقة وثنية أقامت في حرّان، وكانت تعبد الكواكب، إضافة إلى أن الكتاب المقدس للمندائيين، "كنز ريا"، لا يذكر كلمة صابئة، مطلقاً، وكذلك "كتاب يحيى" وبقية كتبهم الدينية.

 

من نفس القسم الثقافي