الثقافي

رسائل "مستكشف" شاب إلى أمّه

للرسائل أهمية توثيقية رغم رؤيتها الاستعلائية والممهّدة للاستعمار

لا يتوفّر الباحثون على معلومات تؤكّد ظهور كتابات أوروبية عن المغرب قبل القرن الثامن عشر، إذ لم يكن البلد محط أنظار الأوروبيين وقتئذ، كما أن الصورة التي كانت عندهم حول المغرب لم تكن تشجّعهم على ذلك، خصوصاً بعد اندحار الجيش البرتغالي في معركة وادي المخازن (آب/ أغسطس 1578). صورة هيبة المغرب هذه اختلّت، في منتصف القرن التاسع عشر، بعد واقعتي "إيسلي" و"تطوان".

من الكتب التي ترسم صورة للبلاد في نهاية هذا القرن، كتاب "المستكشف" الفرنسي إمانويل شلومبيرجر "رحلة إلى المغرب.. ست عشرة رسالة إلى أمي"، الذي كان مكلفاً بمهمة كاتب للبعثة الفرنسية التي وُجّهت إلى السلطان المغربي الحسن الأول.

الرسائل مؤرّخة من 13 آذار/ مارس إلى 25 نيسان/ أبريل 1882، وتتضمّن شهادات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ورغم رؤية الإنسان الأوروبي المتفوّق آنذاك، والممهّد لحركة استعمارية، فإن رسائل شلومبيرجر لها أهميتها التوثيقية، إذ تتزامن مع ظروف تاريخية صعبة وفترة احتدمت فيها الأحداث تحت ما يُعرف ببوادر "مسألة المغرب".في هذه الرسائل، التي صدرت عن "إفريقيا الشرق" ونقلها إلى العربية بوشعيب الساوري، يبوح الابن مشاعره وانطباعاته لأمّه ويصف بحميمية ما يختلج في صدر شاب في مقتبل العمر ويعترف لها، وهي أقرب الناس إليه، بما يشعر به أثناء الرحلة وكيف يحيا بين ظهراني قوم يراهم للمرة الأولى ويلاحظ ثقافة غريبة بالنسبة إليه.

نقلت الرسائل المفعمة بالذاتية للرحّالة/ الدبلوماسي الفرنسي، على طول الرحلة من طنجة إلى الصويرة مروراً بمازاغان ومراكش، عدداً من الظواهر المثيرة على المستويين الطبيعي والثقافي من جهة، وعلى المستويين الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى.قبل أن يصل شلومبيرجر إلى المغرب، خصّ رسائله الأربع الأولى لأمه، بكل ما تعكسه من مشاعر حميمية من حب وشوق وحنين وألم، سارداً المتع والمتاعب وصعاب الطريق، من مدريد وإشبيلية ثم قادش، إلى أن وصل جبل طارق لكي يعبر إلى طنجة.

ومن هذه، أرسل أربع رسائل بجمل قصيرة، تنقل نظرة رجل أوروبي إلى المجال والأماكن ولباس المغاربة: "إنه شرق كثير السكّان أكثر من شرقنا الشرقي. بدا لنا عدد كثير من البرانس البيضاء والأبراج الخضراء والسطوح والصوامع والعمامات من مختلف الألوان".يواصل شلومبيرجر في رسائله الثماني الباقية رحلاته، فيصف مازغان (مدينة الجديدة حالياً) ومنطقة الرحامنة ثم مراكش وموغادور (الصويرة)، بوصف وسرد يُعايِنان الجغرافيا والإنسان والثقافة واللغة أيضاً، منطلقاً من خلفية فكرية وجمالية حداثية، تتمثل أساساً في انتقاده كثيراً من المظاهر في المغرب، كالاستعباد والاستغلال في علاقة "المخزن" بالسكان: "يبدو سكان مراكش لطفاء ومسالمين ومتعلقين روحاً وجسداً بالسلطان الذي ينهبهم من أجل تحقيق سعادته. فالكل من السلطان وإليه".

ملاحظات شلومبيرجر في رسائل رحلته، التي كان ينوي نشرها في ما بعد، وهو ينبّه أمه بأن تحتفظ بها، تعكس انطباعات العارف بصيغ وتقنيات كتابة نصوص الرحلة والمذكرات والرسائل واليوميات والتقارير وأساليب السرد وأشكاله. لكنها تكشف أيضاً، حس المستكشف الأوروبي المتهافت على دخول المغرب.

 

من نفس القسم الثقافي