الثقافي

"رحلة في بلاد الزنوج": من بيروت إلى السنغال

يقدم الكتاب لمحة وثائقية بالغة الأهمية عن الجاليات الشامية في إفريقيا الغربية

في سنة 1929، سيقوم الصحافي اللبناني عبد الله حشيمة برحلته من بيروت إلى السنغال ومنها إلى عدد من دول الغرب الأفريقي، وهي رحلة دونها في كتابه "رحلة في بلاد الزنوج، ثمانية أشهر في إفريقيا الغربية"، في وقت كانت تعيش فيه القارة الأفريقية إجمالا، وغربها تحديدا تحت نير موجة الاستعمار العالمي، في احتلال للأوطان وإهانة للسكان واستعباد لهم، تحت المبررات الواهية والمضحكة التي اتخذت من حملة "تمدين السكان المحليين" شعارا لها.

في هذا الظرف المتميز بالحملة الاستعمارية الشرسة سيقوم عبد الله حشيمة برحلته تلك، انطلاقا من بيروت بالباخرة، متوجها نحو العاصمة السنغالية دكار، ليعود في نفس السنة من لاغوس، إلى بيروت، بالباخرة أيضا، بينما يستعمل في رحلته الداخلية في أفريقيا السيارة والمراكب والقطار والسفن، واستعمال هذه الوسائل في رحلاته الأفريقية، سيمكنه من استعياب ما يحدث على الأراضي الأفريقية من مظاهر الرق والاستعباد، ومقدار التهميش المهول الذي تعاني منه القارة الأفريقية على وجه العموم.

يكتب محرر ومقدم الكتاب محسن خالد في التقديم، مؤكدا على أهمية هذه الرحلة في ذلك الوقت بكونها تحفل بالكثير من المشاهدات الهامة، الطافحة باليوميات والأخبار عن الوضع في القارة الأفريقية وفي شمالها الواقع تحت الاحتلالين الفرنسي والبريطاني، يقول "هذه رحلة صحافي بالباخرة من بيروت إلى داكار عاصمة السنغال، للوصول إلى إفريقيا الغربية في جولات عبرت حدود دول إفريقية كثيرة، مَكَّنت الرحالة من التعرُّف على تلك الأنحاء النائية والمعزولة في ذلك الزمن، وتدوين مشاهداته والوقائع والمعلومات عَمَّا عَرَض له وما سمعه ورآه على طول الطريق براً وبحراً، وصولاً إلى لاغوس عاصمة نيجيريا، قبل العودة بالباخرة إلى بيروت مرة ثانية.

أمضى الرحالة ثمانية أشهر في تلك البلاد دَوَّن خلالها مشاهداته في المدن والأرياف وفي السواحل والغابات، فجاءت يوميات حافلة بالوقائع والأخبار والمعلومات عن إفريقيا الغربية في عشرينيات القرن الماضي.وبالرغم من أن الكتاب يغلب عليه الطابع التاريخي والجغرافي من حيث اهتمام الرحالة بالوقائع التاريخية والجغرافية وتدوينها، إلا أنه يمتلئ بالكثير من الصور والمشاهدات، بل وبوقائع طريفة عالجها حشيمة بتكنيكات سردية يمكن تتبع روح الرواية العربية لديها.

ولعل أهمية هذه الرحلة تنبع أيضا من كون صاحبها صحافيا، لذلك لم تأت محملة بالأفكار المسبقة كما حال رحلات الغربيين، وبالتركيز على العجائبي والغرائبي في حياة الناس وإبرازه وتسويقه على أنه اكتشاف لممارسات الإنسان الأول البدائي، ولكن بالروح النقدية التي تخللت دفتي الكتاب، وأماطت اللثام عن مقدار الاستغلال المهول والبشع الذي تعاني منه القارة السمراء، والمستعمر الأوروبي الذي لا يرى فيها إلا منجما من الثروات لا ينضب، في حين يدير ظهره للثروة البشرية ويمضي في استعبادها وإهانتها.

 

من نفس القسم الثقافي