الثقافي

كاتب ياسين في الحديقة الفرنسية

تعكس الحديقة الصغيرة صورة كاتب متمرّد أحبّ الطبيعة

تصدر أعماله الكاملة بالعربية لأول مرة في معرض الكتاب

 

بعدما أَطلقت باريس اسم الكاتبة الجزائرية، طاووس عمروش (1913 - 1976)، على أحد فضاءاتها الثقافية في المقاطعة العشرين عام 2013، واسم المطرب سليمان عازم (1918 - 1983) على ساحة في المقاطعة الرابعة عشرة عام 2014، ها هي تطلق اسم الكاتب كاتب ياسين (1929 - 1989) على حديقة في المقاطعة الثالثة عشرة.

بعد أربع سنوات من سعي "جمعية أمسلاي" (تعني الكلام باللغة الأمازيغية) لتكريم صاحب "الأمير عبد القادر واستقلال الجزائر" بإطلاق اسمه على الحديقة، يعود الكاتب الذي تحدّث عن استقلال بلاده عام 1947 وسُجن قبل ذلك بعامين بسبب مشاركته في أحداث الثامن من أيار/ مايو، إلى بلد المستعمِر السابق، وتحديداً إلى مدينة شكلّت منعطفاً في مسيرته النضالية والأدبية منذ لقائه بفلاسفتها وكتّابها ويساريّيها قبل سبعة عقود.

تُجاور الحديقة التي بُنيت عام 2000 شارعاً يحمل اسم أنطوان واتو، التشكيلي الفرنسي المعروف بأسلوب "الحفلات الظريفة"؛ حيث تظهر شخصيات لوحاته بكامل أناقتها وهي تجوب الحدائق الغنّاء. كذلك تتوسّط تجمعاً سكانياً؛ حيث تتشارك العائلات في غرس نباتاتها والاعتناء بها، وهو ما يُعبّر، على نحو ما، عن شخصية صاحب "نجمة".

عن ذلك يقول ابنه أمازيغ كاتب، في حديث إلى "العربي الجديد": "تعكس الحديقة صورة والدي الذي كان يحب الطبيعة ويتمتّع برؤية النباتات وهي تنمو وتتفتّح، حتى إنها بسيطة مثله، ومحاطة بصخب الحياة، تماماً مثلما عاش طيلة حياته".

لعلّ حضور السفير الجزائري في باريس، عبد القادر مسدوة، حفل تدشين الحديقة، وثناءَه على الروائي والشاعر والمسرحي الجزائري يُعبّر عن كسر الجليد بين النظام والكاتب "المغضوب عليه"، والذي تعرّض إلى التضييق والنفي بسبب مواقفه المنتقدة للسلطة وصعود الفكر المتشدّد في سنوات السبعينيات والثمانينيات؛ إذ اعتبر مسدوة أن الجزائر "تصالحت مع تاريخها وثقافتها وهويتها الأمازيغية"، معتبراً تكريم صاحب "مناجاة" ثمرةً لمبادرات المجتمع المدني والمثقّفين في فرنسا.

رغم ذلك لم يُخف بعض الحاضرين، من كتّاب وفنّانين وأصدقاء ياسين، امتعاضهم من تغييب صاحب مسرحية "فلسطين المخدوعة" عن المشهد الثقافي في بلاده، ومطاردة ذاكرته بالأحكام الجاهزة التي رُوّجت عنه إلى درجة تكفيره وتخوينه واتهامه بمعاداة العربية والإسلام، بسبب دفاعه عن الهوية الأمازيغية وكتابته باللغة الفرنسية التي وصفها بأنها "غنيمة حرب"، وهي العبارة التي فتحت عليه نيران الانتقادات التي لم تنطفئ حتى بعد مرور قرابة ثلاثين عاماً على رحيله، رغم أنه أيضاً صاحب مقولة "أكتبُ بالفرنسية لأقول للفرنسيّين بأنني جزائري".

يأتي إطلاق اسم كاتب ياسين على الحديقة الفرنسية وسط دعوات للدوائر الرسمية الجزائرية إلى إعادة الاعتبار إلى صاحب مسرحية "الرجل ذو النعل المطاطي".

يقول أمازيغ كاتب، نجم موسيقى الكناوة، إن الأولوية تكمن في الاهتمام بإرث والده الأدبي عبر تحرير أعماله من "قبضة الحصار الثقافي والرقابة"، وإن الأكثر أهمية هو تجسيد الأفكار وتحقيق المطالب الاجتماعية والسياسية والقيم الإنسانية التي ظل يدافع عنها ويناضل في سبيلها.

ويضيف: "لا أستطيع مطالبة السلطات في بلدي بإطلاق اسم والدي على هيئة ثقافية أو شارع أو ساحة عامّة، لأنني أعرف أنها سترفض مسبقاً. ولا أنتظر من النخبة الجزائرية أن تتبنّى هذه المبادرات أو تكرّمه، بل المطلوب منها مواصلة مسيرته النضالية، وأن تقوم بدور المثقّف العضوي. مع ذلك، أستبعد حدوث أي تغيير بسبب غيابها عن المشهد. أمّا الفئة القليلة التي تسعى إلى التغيير فتتعرّض إلى التضييق والتهميش".

من جهته، يقول الفنان التشكيلي الجزائري المقيم في فرنسا، مصطفى بوطاجين، الذي حضر مع لوحته التي تُشكّل عبر قصاصات ورقية بورتريهاً لكاتب ياسين، إن "معركة أسماء الشوارع والساحات في الجزائر لم تتوقّف منذ الاستقلال. وإلى الآن، لم نستطع التخلّص من أسماء المستعمِرين التي تحملها شوارعنا، بل عجزنا حتى عن تسميتها بأسماء مناضلين في ثورتنا من أصول أوروبية، فكيف ننجح في إطلاق أسماء مبدعينا عليها؟".

وعلى هامش تدشين الحديقة، نظّمت "جمعية أمسلاي" وبلدية باريس حفلاً قدّمه أمازيغ كاتب، ومعرضاً ضمّ كتباً وصوراً وملصقات لمسرحيات كاتب ياسين ونصوصاً بخط يده. وكشف رئيس الجمعية، زوبير غانم، عن مساعيهم لإطلاق أسماء كتّاب وفنّانين جزائريين آخرين على أماكن وفضاءات في العاصمة الفرنسية باريس؛ مثل الكاتب عبد المالك صياد، والمطربة شريفة، والروائي والباحث مولود معمري.

من جهة أخرى، أعلنت "المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية"، وهي دار نشر عمومية في الجزائر، أنها اشترت حقوق ترجمة كلّ كتب كاتب ياسين التي نُشرت في "دار سوي" الفرنسية، وتشمل أعماله المسرحية والروائية ومقالاته ودواوينه الشعرية، إذ تصدر قريباً أعمالُه المسرحية كاملةً بترجمة أنجزها الكاتب والمترجم سعيد بوطاجين؛ وأبرزها "محمد خذ حقيبتك"، التي أثارت جدلاً عقب صدورها عام 1973، إلى درجة اتهام كاتبها بالإلحاد من قبال متشدّدين زعموا أنها تُسيء إلى النبي محمد، بينما تطرح المسرحية قضايا المهاجرين الجزائريين في فرنسا.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول سمير قاسمي من "المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية" إن ترجمة ياسين اقتصرت سابقاً على بعض من دور النشر الخاصة التي أصدرت طبعات جزائرية لرواية "نجمة" حقّقت نجاحاً وانتشاراً كبيرين.

ويعتبر المتحدث حضور أعمال ياسين في "معرض الجزائر الدولي"، الذي تُنظَّم دورته الثالثة والعشرون نهاية الشهر الجاري، بمثابة إعادة اعتبار له بعد تجاهله لفترة طويلة، مضيفاً: "لعلّ تصنيفه ضمن الكتّاب الفرانكوفونيين ظلمه كثيراً، رغم أن علاقة أدبه مع الجزائر أكثر عمقاً من بعض الأسماء التي كتبت باللغة العربية، ولعل ترجمة أعماله ستسهم في مد جسر بين ما هو فرانكوفوني وعربي في ثقافتنا، ويبقى تهميش هذا الكاتب مستحيلاً أمام قوة نصوصه ووزنه كمثقّف".

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي