الثقافي
"المنتقى": إلى قارئ مختلف
تنتقي موادها مما تنشره مجلات المركز الدورية ومن مؤتمراته، ومن ثمّ تترجمها إلى الإنكليزية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 سبتمبر 2018
تواجه العلوم الاجتماعية في العالم العربي أزمة مركّبة لا تنفصل عن الواقع السياسي الذي يحكم الدارسين العرب في التعامل مع قضايا الواقع باختلافهم حول جذورها وسياقاتها وكيفية مقاربة حلول لها، ناهيك بالتبعية والاستلاب إلى الأكاديميا الغربية في نظرتها إلى بلدان الجنوب.استناداً إلى هذه الخلفية، يسعى "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" إلى تقديم مساهمة جدية في تطوير مدارس ومنهجيات جديدة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، والعمل على نقد وتفكيك قوالب وأنماط دراسية تنتج خارج السياق العربي من دون عمق أو معرفة وثيقة به وببُناه، ومن دون قراءة ما ينتجه الباحثون العرب.
من خلال هذا المسعى، يمكن قراءة إطلاق المركز دورية "المنتقى" التي صدر عددها الثاني حديثاً، حيث يتيح لجزء من المنتج البحثي المعرفي العربي في العلوم الاجتماعية والإنسانية الوصول إلى غير الناطقين باللغة العربية. المجلة تنتقي موادها مما تنشره مجلات المركز الدورية ("عمران" و"تبيّن" و"سياسات عربية" و"أسطور"، و"استشراف") ومن مؤتمراته، ومن ثمّ تترجمها إلى الإنكليزية.
ضمن العدد الأخير، افتتح باب "دراسات" بدراسة عنوانها "الثابت والمتحول في مواقف الإسلاميين المغاربة من الدولة المدنية: نموذج العدل والإحسان والعدالة والتنمية"، أعدها هشام خباش، وحملت الدراسة الثانية عنوان "الإخوان المسلمون: سياسات الفجوة الجيلية في حقبة ما بعد الثورة" لـ ضحى سمير، فيما قدّمت حياة عمامو دراسة عنوانها "ماهية المصادر الإسلامية المبكرة واختلاف آراء الباحثين في أهميتها التاريخية".
تأتي دراسة عزمي بشارة بعنوان "الطائفة والطائفية: من اللفظ ودلالاته المتبدلة إلى المصطلح السوسيولوجي التحليلي"، بوصفها نموذجاً للدراسات التي من شأنها أن تسدّ فراغاً لدى القارئ الغربي، خاصة أنها تتعمق في إيتيمولوجيا المصطلح باللغة العربية، وتقارنه بما يقبله في اللغات الأوروبية لتصل إلى فهم جديد للطوائف الحديثة المتخيلة.
في باب "المؤشر العربي"، تم اختيار دراسة بعنوان "التدين وتأثيره السياسي"، من إعداد دانا الكرد، تحاول فيها الباحثة توظيف نتائج استبيان "المؤشر العربي" لمساجلة بعض الدراسات التي انتشرت بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، والتي ربطت ربطاً متعسفاً بين التديّن في العالم العربي الإسلامي والمشاعر السلبية تجاه الديمقراطية.وضمّ باب "المراجعات والنقاشات النقدية" مراجعة لكتاب "المثقف العربي ومتلازمة ميدان تيانانمِن" للباحثين عمرو عثمان ومروة فكري أعدّها عزام أمين. كما اشتمل العدد على نقاش نقدي لكلّ من دينا خوري في ورقتها "تاريخ العراق ومجتمعه بين حنّا بطاطو وعلي الوردي"، ووليد نويهض في ورقة "قراءة في الثورات العربية: الاستبداد وتداعيات التغيير"، التي ناقشت ثلاثة من كتب "المركز العربي" عن الثورة السورية؛ هي: كتاب عزمي بشارة "سورية: درب الآلام نحو الحرية - محاولة في التاريخ الراهن"، وكتاب محمد جمال باروت "العقد الأخير في تاريخ سوريّة: جدليّة الجمود والإصلاح"، والكتاب الجماعي "خلفيات الثورة: دراسات سورية".
وعلى أهمية تجربة مثل "المنتقى"، فإن المسافة تظل بعيدة أمام إنصاف جهود الباحثين العرب في مجال العلوم الاجتماعية وأخذها مكانها الطبيعي في مواجهة هيمنة المنتج الغربي على منطقتنا. ولكن يمكن القول إن بوسع قارئ اللغة الإنكليزية المختلف، سواء كان باحثاً مختصاً أو مهتماً، أن يجد من خلال هذه المجلة أبحاثاً عربية جادة بعيدة عن النزعات الاستشراقية و"غير مكتوبة للأجانب" وكثيراً من الأبحاث "العربية" المقدمة باللغات الغربية.