الثقافي

"دولة الأرهاب": في فلسطين.. وما بعدها

يتطلب تفكيك الظلم العودة إلى عام 1947 وليس عام 1967

يفتتح الباحث البريطاني توماس سواريز كتابه المعنون "دولة الإرهاب: كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب" (ترجمة محمد عصفور، "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب"، الكويت، مايو 2018) بتصريح صحافي صادر عن منظمة الإرغون الصهيونية الإرهابية في 13 نيسان/أبريل 1948، تعليقاً على مذبحة قرية دير ياسين التي هاجمتها هذه المنظمة مع منظمات أخرى ساندتها، وجرى فيها وضع رجال ونساء وأطفال هذه القرية الفلسطينية في صف طويل وجرى تصويرهم وذبحهم. يقول التصريح في معرض الزهو بما قام به أفراد هذه المنظمة ".. ننوي أن نهاجم ونحتل ونحتفظ بالأرض إلى أن نحصل على أرض فلسطين وشرق الأردن كلها لنجعلها إسرائيل الكبرى، وهذا الهجوم هو الخطوة الأولى".

وطيلة السبعين عاماً الماضية ظل يُنظر إلى هذه المذبحة، الأشهر بين مذابح االإرهابيين الصهاينة، على أنها حادث منعزل، إلا أن هذا الكتاب الجديد يُظهر في ضوء الوثائق السرية الموجودة في الأرشيف الوطني البريطاني كيف أن استخدام زعماء الحركة الصهيونية للإرهاب بكل أنواعه، وخاصة قتل المدنيين الفلسطينيين في البيوت والطرقات والأسواق والمزارع، كان منظماً ومتواصلا بلا توقف في فلسطين وفي بلاد أخرى، بما فيها البلدان الأوروبية، وكانوا يرونه ضرورة لتحقيق أهدافهم، ضد الفلسطينيين وضد كل من يعارض أهدافهم حتى وإن كانوا يهوداً.

كما تدحض العودة إلى الوثائق السرية الكثير من الأساطير التي تأسست على قواعدها دولة الإرهاب الصهيوني في مخيلة الكثير من شعوب بلدان العالم، وخاصة عالم الغرب. وبهذا يقدم الكتاب "أول تحليل شامل ومتماسك للعنف والإرهاب اللذين مارستهما الحركة الصهيونية، وبعد ذلك "إسرائيل"، ضد الشعب الفلسطيني" على حد تعبير الألماني إيلان بابيه الذي غادر الأسطورة وكيانها منذ سنوات وأقام في بريطانيا أستاذاً في إحدى جامعاتها.

جدّة الكتاب ليست فقط في أن الكثير من الوثائق التي يكشف عنها لم ينشر من قبل، أو في أنه يتناول تاريخاً غير معروف بشكل كامل بين العامين 1917 و1956 ، بل في أنه يتابع وقائع هذا التاريخ بالتفصيل إلى درجة أن صفحاته البالغ عددها 514 صفحة في اللغة العربية يمكن أن تُقرأ كما لو أنها ثبتٌ بآلاف الهجمات الصهيونية الإرهابية على السكان والبيوت ومحطات القطارات والأسواق ومخافر الشرطة .. وكل علائم الحياة في فلسطين.

يحدد الكاتب منذ البداية طبيعة الصراع على أرض فلسطين بدقة بالغة؛ فهو ليس صراعاً بين جماعتين من عرقين مختلفين، هما العرب واليهود، كما هو شائع، بل هو اغتصاب فلسطين بالقوة من قبل الحركة الصهيونية التي هي ليست سوى حركة استيطان استعماري أوروبية تنحدر في أصولها من الحركات القومية ذات النزعة العنصرية.

ويكشف الكتاب عن محاولات الصهاينة إرهاب اليهود الرافضين المجيء إلى فلسطين، وخاصة بعد أن تبيّن أن الذين لا يمانعون في الذهاب إلى فلسطين بعد انتهاء الحرب لا تتجاوز نسبتهم 15% في أفضل التقديرات على رغم جهود الدعاية الصهيونية طوال سنوات عديدة، ولهذا شن الصهاينة حملة ثلاثية الأبعاد، هدف أولها التغلغل في مخيمات اللاجئين المعدة للناجين من الحرب وعزلهم وإجبارهم على القدوم إلى فلسطين، وهدف الثاني تخريب أي ملاجئ آمنة تتوفر لهم، وتمثل الثالث باختطاف الأيتام اليهود الذين تبنتهم عائلات أوروبية. ولتنفيذ هذه الحملة فجر الصهاينة قطارات وفنادق في أوروبا خلال العام 1947.

القسم الثالث والأخير من الكتاب، وعنوانه "موطئ قدم"، مكرّس بفصليه الأخيرين للسنوات التي اعقبت صدور قرار تقسيم فلسطين. عن هذا القرار يقول المؤلف: "لو أن الهيئة العامة للأمم المتحدة التزمت في 29 نوفمبر 1947 بالمبادئ التي ينص عليه ميثاقها لهزمت القرار رقم 181 الذي حرم الفلسطينيين من حق تقرير المصير وكافأ الإرهاب الصهيوني الذي ظل يتعاظم على مدى سنوات، ولكن إدارة ترومان استعملت كل اشكال الضغط المباشر وغير المباشر للحصول على أغلبية الثلثين لقرار غير ملزم أوصى بتقسيم فلسطين إلى بلدين ناشئين يكون الأكبر منهما من نصيب الأقلية اليهودية، والأصغر للأغلبية الفلسطينية".

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي