الثقافي
سعاد ماسي تتألق في بيروت
أحيت ليلة طربية بامتياز
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 12 جولية 2018
حوّلت المطربة وكاتبة الأغاني والملحنة، الجزائرية سعاد ماسي، افتتاح مهرجانات الذوق الدولية شمال بيروت، رومانسية حالمة. بصوتها المتمايل بين الرقة والقوة في آن، وصدق إحساسها الخالص، ملأت المسرح فرحاً وطاقة ومشاعر.
وغنت ابنة باب الوادي أجمل أغانيها مثل "يا قلبي"، "يا ولدي"، "خلوني"، "طليت على البئر"، "دار جدي" و"غير انت"، وغيرها من الأغاني التي يحفظها جمهورها اللبناني الشاب عن ظهر قلب. وبما أنها "أمازيغية الهوية وعربية الهوى وعاشقة للغة الضاد"، كما أكدت لـ "الحياة" في مقابلة خاصة، اختارت أن تغني في لبنان قصيدة بالعربية الفصحى بعنوان "زار الرئيس المؤتمن" للشاعر أحمد مطر، مطلقة لحنجرتها العنان على حساب الموسيقى. "أنا عندما غنيت القصيدة أعطيتها حقها لأنها مكتوبة بلغة بليغة وسلّفتها صوتي وكل ما أملك من إمكانات في حبالي الصوتية، كي أظهر تأثير الشعر فيّ وتأثير الصور الرائعة، وذلك على حساب الموسيقى التي أردتها أن تأني كخلفية"، كما تؤكد.
ولم تكن سعاد ماسي، تغني وتعزف فقط بل كانت تروي حكايات وقصص العاشقين والمقهورين والتائهين والمهاجرين الذين خذلتهم بلادهم. بلغة موسيقى الكاونتري والجاز والريغي والفولك والروك، لكل واحد من الحاضرين كجنيّة تسحرهم بدفء مشاعرها الفياضة.
وشكلت صاحبة ألبومات "راوي" و"المتكلمون" و"حرية"، مع فرقتها الموسيقية على الخشبة، لوحة تشكيلية متحرّكة يميّزها انسجام عال وحوار موسيقي بنّاء قلّما نجده بين مغنٍّ وفرقته على المسرح، خصوصاً عندما تترك ماسي المجال لكل من العازفين للتعبير عن نفسه من خلال آلته.
ويبدو أن ماسي التي تعرف كيف تستثمر صوتها الهادئ في نوع موسيقي يليق به، مبتعدة من الطرب العربي والجاز، تعرف أيضاً كيف تختار أعضاء فرقتها وخصوصاً عازف الإيقاع رابح خلفة، الذي أعطى نكهة خاصة للحفلة بصوته وعزفه. ما جعل الجمهور يقف ويصفق ثم يرقص طويلاً طالباً مزيداً من الارتجال الحيّ الذي أبدع في تقديمه.
وتتابع ماسي: "نحن لسنا فرقة كل يؤدي فيها دوره كوظيفة، نحن عائلة واحدة متماسكة ومنسجمة جداً، لذا تروني أطير على المسرح بين أحبابي. فالمسرح يمدني بالقوة والطاقة والرومانسية". أما عن النبرة الحزينة والحنين العارم الذي يتدفق من صوتها، فقالت: "الموسيقى خلاصي الذي يعوّضني عن كل الأيام الصعبة التي عشتها في طفولتي في باب الوادي. وهذه النبرة الحزينة هي تعبير متأخر عن الحزن القديم أيام الطفولة حيث كنت منعزلة عن العالم وأفضل المكوث وحدي لأقرأ".
من الواضح أن ماسي قارئة نهمة، فكلمات أغانيها ليست عادية وصورها الشعرية بديعة وحقيقية، فهي تأتي بها من يومياتها وقصص الناس الحقيقية التي تلتقيهم. كما تبني خطها الموسيقي وكلمات أغانيها مثلما تبنى العمارات، وفق تعبيرها. "أخذت من دراستي الهندسة المدنية المنطق في البناء والتنظيم، فكل شيء يجب أن يبنى على قاعدة متينة وبحسابات دقيقة وهكذا فعلت في مشواري".
وتضيف "أما العربية فهي عشقي الأبدي الذي أرتحل عبره إلى العصر الجاهلي وقصائد زهير بن أبي سلمى المزني وصولاً الى العصر العباسي مع أبي الطيب المتنبي ثم إلى الشعر المعاصر مع إيليا أبو ماضي وأبو القاسم الشابي".
وغنت ماسي قصائد بالعربية الفصحى لهؤلاء الشعراء العمالقة الذين لا يغامر أحد بتلحين قصائدهم وكلماتهم، لكن ماسي تجرأت أن تؤدي قصائد من الجاهلية على إيقاع الروك والفولك والجاز ونجحت أن تضع صوتها القوي في خدمة الشعر العربي، وأعطت للكلمات مساحة ومعنى أكثر مما تركت للحن.
وتشرح أن ذلك كان مقصوداً "لأنني تغلغلت في صورهم الشعرية وكلماتهم التي أصبحت نادرة، وأسلفتهم صوتي لأبرز وقع العبارات والمعاني الرائعة".
مريم. ع