الثقافي

محمد علي الصابوني.. بقدر أفهام العصر يكون التفسير

على الرفّ

تميَّزت التفاسير التي وضعها المتأخرون، مثل إسماعيل حقي (1653-1715) في "روح البيان"، ومن بعده الشهاب الألوسي (1803 - 1854) في "روح المعاني"، بتعقد اللغة، مع أنها تهدف إلى الشرح، وبغلبة الاستطرادات النحوية عليها، بسبب الاهتمام المبالغ فيه بوظائف الإعراب وتقدير المحذوفات، هذا فضلاً عن الإيغال في معضلات علم الكلام والإكثار من إيراد التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، التي تُضيع المغزى وطالبيه في متاهات التأويل المتكلَّف.ولذلك نزع المفسرون المحدَثون إلى تبسيط هذا المحتوى والاقتصار على الصحيح من الآراء وتحاشي ما فيها من خلافيات وتفريعات. ومن أشهر مَن تصدى للقيام بشرح مبسّط للقرآن، يعرض معانيه بعباراتٍ حديثة، يفهمها قارئ العصر، وإن لم يكن من أهل الاختصاص، عالِم الدين السوري محمد على الصابوني (ولد سنة 1930)، في تأليفه "صفوة التفاسير"، الذي أمل، حسب ما جاء في مقدمته، أن يكون خلاصةً لما ورد في التراث التفسيري وصفوةً لمحتوياته المتشابكة.

يُراعي هذا الكتاب، الواقع في ثلاثة أجزاء، منهجاً واضحاً وخطة عمل سباعية العناصر، إذ يبتدئ بقسم "بين يديْ السورة"، وهو بمثابة بيان إجمالي للسورة وإيضاح لمقاصدها المحورية، ثم يعرض "المناسبة"، أي العلاقات النصية التي تعقدها الآيات مع حوادث التاريخ إضافة إلى إبراز علاقاتها بما سبقها، إظهاراً لبلاغة النظم والتحام الكلام، ويشرح بعدها "اللغة"، بالتركيز على المفردات الصعبة على قارئ حديث والتي تنتثر في السورة أو المقطع المُفسَّر، ويُذكِّر رابعاً بـ"سبب النزول"، ثم يمرُّ بعدها إلى ما يسميه "التفسير" وهو إضاءة المعنى العام.

ويحلل بعد ذلك الوجوه البلاغية بأقسامها الثلاثة: البيان والمعاني والبديع، وينتهي بعرض "اللطائف والفوائد"، وهي عِبر رقيقة يستلهمها من النص. وقد التزم الصابوني إجمالاً بهذه الخطة الدقيقة، طيلة الكتاب، ولم يحد عنها إلا نادراً.هذا وقد استمدّ الصابوني جلَّ مادته من التراث التفسيري، بجانبَيْه المنقول والمعقول، مثل تفاسير: الطبري وابن كثير والقرطبي من جهةٍ، والزمخشري والبيضاوي والألوسي من جهة ثانية، في منهج توليفي، حاول من خلاله تلافي ما اشتهر عند الناس من "الإسرائيليات"، وهي أمشاجٌ من الأخبار والقصص الواهية التي تناقلها المسلمون بعد أن احتكوا بعلماء اليهودية والنصرانية في العصور الوسطى. وهي ترهات أرهقت المادة التفسيرية وأضعفت علميتها.

ومن جانب آخر، اتسم هذا المؤلف بوضوح العبارة وتجنب التعقيد والإطالة، والدقة في اختيار أصح الأقوال المعتمدة، فكان وسطاً بين المُختصرات المكثفة والمطولات المعقدة، صِيغ بالعربية المعاصرة التي يفهمها القارئ العادي. وحاول قصارى جهده إثبات المشهور من الآراء، الأكثر وثوقاً عند أهل النظر، لا سيما أنها متعددةٌ تعدّدَ المدارس الكلامية والفقهية التي تستند إليها.

 

من نفس القسم الثقافي