الوطن

حكومة مؤقتة لأزمات مزمنة

الاستمرارية سيدة التقدير والآنية سيدة التدوير

 


لازالت عملية تدوير المناصب في تعديل 3 سبتمبر الحكومي توحي بأن عمر سياسة البريكولاج لازال طويلا، وسيظل سيد الموقف في الجزائر حيال مشاكل اقتصادية واجتماعية وثقافية يتجاذبها منطق الكوطات، الحرص على التوازن الجهوي وإرضاء العصب وجماعات الضغط أكثر منها مرجعية لثقافة ترشيد التسيير وتحميل المسؤولية وتأهيل الكفاءة والخبرة أمام عقلية الولاء والمحسوبية، من أجل تغذية حسابات ضيقة على حساب حاضر ومستقبل الأمة وما تتخبط فيه من أزمات تحولت بالتقادم والتخفيف بالجرعات إلى آفات مزمنة تتطلب علاجا جذريا من ذوي الاختصاص.

فخارج دائرة الحقائب السيادية للحكومة وهي العدل، الطاقة، الداخلية، المالية، الخارجية والدفاع، إضافة للتربية، الشباب، الصحة والتخطيط لم يخرج التغيير الحكومي الأخير عن سابقيه من منطق التعديل "المُرمِم" وذلك بتدوير المناصب أو تثبيت أخرى. فعودة تبون إلى السكن وشرفي للعدالة لا يعد تعديلا وزاريا ولكن عودة للوراء لكون الرجلين خرجا من نفس الحكومة، حكومة بن فليس، ليعودا بعد عشرية كاملة إلى حكومة نصف أعضائها كانوا زملاء لهم قبل عشر سنوات، مثل عبد المالك سلال )النقل(، دحو ولد قابلية )مكلف بالجماعات المحلية(، محمود خذري )الصناعات الثقيلة(، قنايزية )الدفاع(، مراد مدلسي )المالية(، عبد القادر مساهل، خليدة تومي، الشريف رحماني )السياحة والبيئة(، عمارة بن يونس )الصحة(، يوسف يوسفي، عبد العزيز زياري )العلاقة مع البرلمان(، عمار غول، رشيد حراوبية، كريم جودي )كاتب دولة مكلف بالميزانية(، سعاد بن جاب الله )كاتبة دولة مكلفة بالبحث العلمي(، ومحمد نوي )أمين عام الحكومة(. 

ولولا الاحتقان الاجتماعي وتدهور الوضع في قطاعات واسعة مثل التربية، التكوين، الصحة والفضائح الرياضية والتضامن الوطني لما تنحى وزراء تحت ضغط قطاعاتهم على غرار أبو بكر بن بوزيد، الهادي خالدي، ولد عباس، السعيد بركات والهاشمي جيار في خطوة لتفكيك دخول اجتماعي على وقع قنابل موقوتة أكثر منه تعديل وزاري بما تحمله الكلمة من معنى.

ومهما تعددت قراءات تعيين حكومة جديدة بوجوه قديمة، يبقى اللافت فيها غياب أو تغييب ثلاثة ركائز منها مثل إبعاد الوزير الأول أحمد أويحيى الذي غطى على تغيير مكانه من إعراب الحراك الحزبي، والذي يطالب برأسه تنظيميا على بعد أشهر من المؤتمر القادم للتجمع الوطني الديمقراطي. إلى ذلك يضاف تنحية نائب الوزير الأول نور الدين زرهوني حتى وإن لم يكن للمنصب معنا سياسيا أو دلالة تنفيذية. إضافة لتنحية وزير الدولة وأمين عام حزب الأغلبية البرلمانية الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بلخادم. 

تغييب الركائز يدخل في إطار تحريرهم الظرفي لمواجهة التململ التنظيمي والنظامي اللذين يعرفهما على التوالي حزبا التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني. فالرجلان يضمران طموحا لخوض غمار رئاسيات 2014، حال استحالة إعادة رئيس الدولة للعهدة الرابعة. فمع تصاعد وتيرة الاحتجاج والرغبة في إبعادهما تباعا من على رأس تشكيلتيهما السياسية بات لزاما عليهما التفرغ لإعادة ترتيب البيت قبيل إجراء الانتخابات المحلية المزمعة نهاية نوفمبر القادم، وقبل المؤتمرين المرتقبان في غضون عام ونيف. أما نور الدين زرهوني فلم تعد حالته الصحية تسمح له بمزاولة مهامه الحكومية أو التقيُد بالتزاماته البروتوكولية على الوجه المطلوب. وكان وزير الداخلية السابق قد طلب الإعفاء في عدة تعديلات وزارية دون أن يحظى بذلك قبل تعيينه نائبا للوزير الأول دون تكليف واضح أو مهمة محددة. 

وبغض الطرف عن وزير التجارة بن بادة، كريم جودي في المالية ومحمود خذري في العلاقات مع البرلمان وتثبيت الطيب لوح في العمل والضمان الاجتماعي، ورشيد حراوبية في التعليم العالي، وبن حمادي في المواصلات والبريد، وعمار غول في الأشغال العمومية، وعمار تو في النقل ومساهل في الشؤون العربية والإفريقية إلى جانب وزراء الحقائب السيادية فضلا عن عودة كل من تبون للسكن، محمد شرفي للعدل، فالتغيير لا يعدو أن يكون سوى تعديلا تكتيكيا مؤقتا يراد من خلاله عبور الدخول الاجتماعي الملغم بتراكمات الملفات العالقة مثل صب مؤخرات مستخدمي الوظيفة العمومية، ترسيم متعاقدي ما قبل التشغيل، البطالة، مسابقات التوظيف، الدخول المدرسي والتمدرس، ندرة الأدوية وفضائح مخابر صيدلانية أجنبية زيادة على كوارث المستشفيات العمومية والخاصة، نقص توزيع الماء، انقطاع الكهرباء والنتائج الرياضية السلبية التي كشفت المستور. 

كما يراد لهذا الطاقم الحكومي عبور المحليات بدون أضرار ـ أو أخفها ـ حتى لا تتغير الخارطة السياسية في ضوء الأزمات الداخلية للأحزاب الكبيرة المهددة في استقرارها وتماسكها. ما يوحي بنتائج انتخابات محلية مخيفة مع اعتماد 28 حزبا جديدا، سيدخل جلها المنافسة، في إطار انفتاح الواجهة السياسية والإصلاحات المعطلة منذ مارس 2011. 

وهكذا تبقى ملفات ثقيلة مؤجلة لما بعد رئاسيات 2014، بدأ التعتيم عليها بإجراءات ظاهرها استعجالي وباطنها استعراضي، كإعلان الوافدين الجدد حسن النية وفتح الحوار، ربحا للوقت، وغيرها من الإجراءات كمحاربة الأسواق الفوضوية، تطهير المحيط من الجريمة المنظمة ومحاولة التصدي لذهنية الاحتكار والمضاربة التي ألهبت السوق وجيوب المواطنين ولازالت. بمعنى آخر هي حكومة جديدة ـ قديمة لتأمين دخول اجتماعي آمن دون مطالبة ولا مغالبة. 

طارق مروان 

 

من نفس القسم الوطن