الثقافي
"فلسفة السينما": أنّى لصورة آلية أن تفكر؟
على الرفّ
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 07 ماي 2018
في كتابه "فلسفة السينما.. الصورة السينمائية بين الفكر والفن"، الصادر حديثاً عن منشورات "المدارس"، يواصل الباحث المغربي في الفلسفة، عبد العالي معزوز، سبر أغوار مباحث الصورة فلسفياً، فلا يتوانى عن التذكير، بأن الفلسفة العربية ظلت بمنأى عن التفكير في قضايا الاتصال والصورة والميديا، كما لو أنها قضايا شبه فلسفية أو غير فلسفية على الإطلاق؛ وهو ما يفسّر بقاء عالم الاتصال والوسائط منحصراً في دائرة التقنيّين والإعلاميين، بدل أن يُبسط على طاولة التفكير.لذلك عمل في كتابه الجديد، على استِشْكال الصورة السينمائية، وحاول إعمال الفكر في تَفهُّم هذا اللّون من الصور، باعتماد المقاربة الفلسفية، مع إبرازه أيضاً لأنواع الإمتاع الفني والتذوّق الجمالي المُحايِث للفيلم السينمائي، باستلهامه للمقاربة الجمالية والفنية.
فهل من حقِّ الفلسفة أن تتخذ لنفسها موضوعاً خارج مباحثها المألوفة؛ مثل "الميتافيزيقا" وعلاقاتها بالوجود، و"الإيتيقا" وعلاقاتها بإشكالية الفعل الإنساني، ثم "الإبستمولوجيا" وصِلتها بالفهم والعقل البشري؟
يجيب المؤلّف، بأنّ "كلّ الموضوعات قابلة للتفكير الفلسفي والتأمل النقدي بما فيها الصورة"، فقد انتهى "الزمن الأفلاطوني المناوئ للصورة بما هي أيْدولون [Eidolon] وشبيه ونسخة مكرورة [Simulacre] أو ظلّ يدعو للتوجس والشك".
على هذا الأساس، استعاد فلاسفة أمثال جيل دولوز (1925-1995) مشروعية التفكير الفلسفي في الصورة، بعد عداء أفلاطون المستحكم لكلّ ما هو صورة أو بالأحرى لكلّ ما هو سيمولاكرْ. لكن الآن "يمكن الحديث عن هذا القِران الفلسفي والسينمائي في ما يدعى بالفيلمولوجيا والذي يعود الفضل في نحته إلى إيتيان سوريو (1892-1979)"، هنا لا يتردّد معزوز، في التنبيه في بداية كتابه الذي قسّمه إلى تسعة فصول، إلى أنه لا يريد ببحثه هذا، "أن يتم إخضاع الوسيط السينمائي إلى فلسفة مُطبّقة، بقدر ما يمكن أن يكون المرمى هو العثور على عناصر سينمائية من أجل إخضاعها للتأمل الفلسفي".
لذلك سيكون التفكير في السينما أساسياً، بحسب الباحث، الذي يعتبر أن من شأن ذلك أن يلقي الضوء على كثير من التقنيات وعلى كثير من الطرائق والأساليب؛ فالسينما هي نمط خاص من الفكر، وتوجد بين الصورة السينمائية والمفهوم الفلسفي ألف علاقة. وبما أن المفهوم كما يتناوله مارتن هايدغر (1889-1976) مركّب، فليس من السهل الاستعانة بالمفهوم البسيط لمقاربة الصورة الفيلمية، يقول المُؤَلِّف: "بحسب دولوز ثمّة مفاهيم فلسفية في السينما، ولكنها مفاهيم تُبنى ولا توجد جاهزة، تلك المفاهيم ليست معطاة في السينما، ولا في نظرية ما للسينما، الصورة السينمائية هي نفسها تتحرك نحو الفكر ولا تحتاج إلى أن يتحرّك الفكر نحوها".
يتّضح هنا الاختلاف بين الصورة السينمائية والصور الثابتة؛ مثل الصور المرسومة. فالطابع المفهومي للفيلم يرقى به فوق الدلالة المَحضَة، إذ أن السينما وسيط تعبيري صحيح، غير أن خلوّ الفيلم من الفكر يجعله بدون معنى. لكن يجوز التساؤل أيضاً؛ أنّى لصورة سينمائية آلية أن تفكر؟ أو بأي معنى تفكّر السينما؟"السينما لا تفكّر سوى بمعنى تحفّز الفكر على التفكير"، هكذا جاءت إجابة الباحث في الفلسفة، موضحاً أن "التّفَكُّر هو الفعل الذي تستحِثُّه السينما، أو لنقل التأمل الذاتي. فهناك محاولة دائبة، من المشهد الصفر إلى المشهد البعدي، للتنقيب على المفهوم الفلسفي في الإدراك وفِي الانفعال.