الثقافي

"الحياة في بيوت فلسطين": رحلة ماري إليزا روجرز

على الرفّ

الولع بالحج إلى فلسطين، وإلى القدس تحديداً، ولع معبر عنه في الكثير من الرحلات التي قام بها أوروبيون وعرب إلى هذه المدينة المقدسة، وهناك اليوم في المحصلة عشرات الرحلات الأجنبية التي تؤرخ للزيارة إلى المدينة وجوارها. كان الأمر أشبه بحج روحي، بل هو كذلك، حيث تهفو النفس إلى تتبع مسارات النبوة في أرض الأنبياء، وحيث لكل فضاء ولكل حجر ذاكرة مقدسة وعلامات بصرية لا تخطئها العين، بل تمدها بالجوهر والأبدي.ولعل الذاكرة الثقافية الخاصة بـ أدب الرحلات، تذهب رأسا في اتجاه رحلة مهمة في زمنها، وهي تلك التي قام بها الكاتب الفرنسي فرانسوا شاتوبريان عام 1806 إلى القدس، ضمن مخطط رحلة كبير، شمل إسبرطة وأثينا والإسكندرية وقرطاج والأندلس، وهي الرحلة التي وصفها بكونها "دورة كاملة حول البحر المتوسط، جرت دون مخاطر تذكر وكانت شبيهة برحلة البحارين القدامى".

وفي هذا الإطار بالذات، تأتي رحلة الإنكليزية ماري إليزا روجرز المعنونة بـ"الحياة في بيوت فلسطين"، إلى القدس، ودونت مشاهداتها وافتتانها بالحياة وأهل القدس والمدن المجاورة، وقدمت مقتربا مهما بعين الأجنبي إلى طبيعة هذا المجتمع المتعدد والمتساكن في تلك الفترة الزمنية الحاسمة في تاريخ فلسطين، تقول عنها المتخصصة في تاريخ فلسطين، والأستاذة بجامعة وين ستيت، ديترويت، الدكتورة مي صيقلي، والتي وضعت مقدمة للترجمة العربية لكتاب ماري إليزا روجرز "خبَرت بنفسها الحياة اليومية لمعظم شرائح المجتمع الفلسطيني إبان خمسينيات القرن التاسع عشر، عندما رافقت أخاها إدوارد توماس روجرز، الموظف الدبلوماسي الإنكليزي الذي خدم في عدة مناصب قنصلية ودبلوماسية في البلاد العربية وتحديدا في القدس وحيفا وبيروت ودمشق والقاهرة، في عام 1855 لدى عودته إلى فلسطين لمزاولة مهام منصبه الدبلوماسي الجديد كنائب للقنصل البريطاني في حيفا، فأقامت بمعيته هناك حتى عام 1859".

وترصد مي صيقلي أهمية كتاب روجرز في كونه شهادة على مرحلة مفصلية من تاريخ فلسطين والمنطقة عموما، بحكم التغيرات الجارفة التي ستأتي في ما بعد، وهي التغيرات التي سيساهم الانتداب البريطاني الداعم للصهيونية العالمية في ترسيخها، في محاولة يائسة لتغيير الحجر والبشر والسطو على الأرض، ضمن مشهد لصوصي لم يعرفه التاريخ أبدا، انتهى بطرد الفلسطينيين من وطنهم وإقامة دولة الاحتلال الغاصب، تقول صيقلي "كان المجتمع الفلسطيني في تلك الفترة - شأنه شأن الشرق الأوسط بأسره - على شفا التغيير والتطور والاتصال بالعالم الخارجي. ومع أن هذا الكتاب يسلط الضوء على تفاصيل عملية التحول التي شهدها المجتمع الفلسطيني آنذاك، إلا أنه يتناول ذلك من منظور يشب عن طوق المحلية. لقد تعرضت المنطقة في تلك الحقبة إلى موجة عاتية من الانكشاف على الآخر، والاستغراق في التحولات، بل والاضطرابات التي نتجت عن احتلال نابليون لمصر في عام 1798، فأميط اللثام عن بُعد جديد حمله القرن الوافد في صورة صراعات أوروبية سياسية واقتصادية عنيفة شاءت الأقدار أن تكون فيها فلسطين وغيرها من بلدان الشرق الأوسط مسرحاً لتلك الصراعات. لقد أفضت السياسات الغربية الخاصة بفلسطين خلال نهاية القرن التاسع عشر إلى ما يعرف باسم وعد بلفور وإلى تحديد مصير فلسطين وشعبها طوال العقود التي تلت الحرب العالمية الأولى. أما داخل البلد نفسها فقد تضافرت هذه السياسات الدولية مع الفساد والإفلاس السياسي اللذين ميّزا أداء الإدارة العثمانية في مراحلها الأخيرة، فأشاعت أجواء وأوضاعاً تركت أثراً بالغاً على كافة أطياف المجتمع الفلسطيني".

 

من نفس القسم الثقافي