الوطن
سوشيال ميديا ملجأ التلاميذ في الامتحانات الرسمية
توفر أساتذة، خبراء، أخصائيين ونصحاء للمترشحين كل سنة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 ماي 2018
• باك الجزائريين عبر "الفايسبوك"، "تويتر" و"اليوتيوب"
بدأت ظاهرة اللجوء إلى صفحات السوشيال ميديا المتخصصة في التربية والتعليم التي أصبحت بوابة لكل المقبلين على الامتحانات الرسمية في الجزائر في السنوات الأخيرة، ورغم امتعاض أولياء الممتحنين منها في سنوات ظهورها الأولى، إلا أن سطوة هذه التكنولوجيا أضحت محفزا لهؤلاء وأبدوا قبولا لها، بل يقوم الكثير منهم بتوجيه أبنائهم نحوها والبحث عن الأفضل للاستفادة من توجيهات الأساتذة، المختصين والممتحنين بشكل إيجابي، لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة الهامة من حياتهم التعليمية، من خلال صفحات مخصصة في المجال عبر الفضاء الأزرق.
ويؤكد المختصون أن ما زاد من إقبال التلاميذ على هذه الوسائط، هو ارتباطها بالتسريبات المتكررة في مختلف الامتحانات الرسمية التي تجرى في البلاد. ورغم مساعي ومحاولات المنع التي وصلت إلى درجة قطع الأنترنت في السنوات الماضية، إلا أن تسويق امتحانات حقيقية في هذه الوسائل شجع الكثير من التلاميذ على اعتمادها كإحدى وسائل التحضير، رغم الضرر التربوي المترتب عن هكذا استعمال.
في وقت الذي أكد بعض الممتحنين، الذين سيقبلون بعد أسابيع قليلة على اجتياز هذا الامتحان المصيري سواء البكالوريا أو البيام، على توفر الأساتذة ومرافقتهم لهم في هذا المشوار، بعيدا عن الدروس الخصوصية التي أصبحت غير مرغوب فيها في المجتمع الجزائري لأسباب اقتصادية وأخرى قناعة بعدم الجدوى منها، ما دفع بعض الأساتذة للتفرغ لمد يد العون ومساعدة تلاميذهم وباقي التلاميذ عبر صفحات فايسبوكية متخصصة وقنوات اليوتيوب بشكل مجاني، متجاوزة عامل الزمان والمكان، إذ يكفي هؤلاء الولوج لهذه الصفحات من كمبيوتراتهم الشخصية أو هواتفهم الخاصة واللوحات الإلكترونية في أغلب الأوقات، وطرح الأسئلة والاستفسار على المختصين، ويتلقون الإجابات في منازلهم دون عناء التنقل أو مغادرة بيوتهم. فمواقع التواصل الاجتماعي سواء "الفايسبوك" أو "اليوتيوب" أو "تويتر"، إضافة إلى تقنية "السكايب"، تحولت إلى أداة افتراضية بيد الممتحنين واستحوذت على أوقات مراجعتهم في الآونة الأخيرة.
• العروض التجارية محفز للتعلم
يجمع الكثير من المهتمين بهذا المجال على التأكيد على أن كثرة العروض التجارية سهل وشجع على الإقبال على هذا النوع من التعلم، خاصة وأن المتعاملين الاقتصاديين في مجال الأنترنت في الجزائر أصبحت توفر مجانية بعض خدمات الأنترنت، وتسمح بتصفح بعض هذه الفضاءات التعليمية بشكل مجاني.
وأمام ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية التي لا يمكن لأصحاب الدخل المتوسط تلبيتها بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمواطن، وموجة الغلاء لمختلف المواد والتكلفة الباهظة للدخول المدرسي وتوابعه، كل هذه العوامل الاقتصادية حفزت الأولياء والأبناء على الاستفادة من هذه الوسائل في تدارك الدروس واستيعاب ما لم تستطع المؤسسة التربوية تلقينه للتلاميذ، خاصة في مرحلة الامتحانات الرسمية.
• تلاميذ يقرون بالنجاعة ونتائجهم أحسن دليل !!
وعن هذا الموضوع، يقول عبد المومن فاضلي، مترشح لشهادة البكالوريا من ثانوية الإدريسي بساحة أول ماي بالجزائر العاصمة، بأنه مثل باقي المقبلين على الباك لعام 2018 فإنه جرب منذ بداية الموسم الدراسي الحالي أكثر من طريقة للتعلم من أجل الوصول لجاهزية أفضل للامتحان المهم، مشيرا إلى أن الاطلاع على صفحات الفايسبوك المتخصصة بالتعليم وكذا قنوات اليوتيوب كانت ضمن هذا التوجه الذي سار عليه المتحدث، حيث كشف عن تواجد أكثر من 20 صفحة فايسبوكية وقناة يوتيوب مخصصة لهذا الأمر، والذي لا يحتاج فيه إلا للاتصال بشبكة الأنترنت للولوج إليها، والاستفادة قدر الإمكان مما يطرح فيها، قبل أن يؤكد على الجانب الإيجابي فيما يخص هذه الخدمة التي يتاح بعضها بشكل مجاني من قبل متعاملي الهاتف النقال في البلاد، وهو ما يعتبر إضافة لهؤلاء.
وعرج محدثنا على النتائج التي حققها في الفصول الخاصة بالموسم الدراسي الحالي التي تمهد لامتحان الباك، وأشار أنها كانت متناسبة مع ما استغله من وقت للمراجعة عبر هذه الفضاءات، وأشاد بالدعم الكبير الذي يوجهه بعض الأساتذة بشكل مجاني لصالح التلاميذ، وهو ما يقلل من مقولة أن الأساتذة يستغلون التلاميذ ضمن ما يعرف بالدروس الخصوصية في الجزائر.
ويوافق سفيان باديس هذه الأطروحات التي تحدث عنها عبد المومن فاضلي، إذ يقر وهو المتمدرس في ثانوية ديار البركة ببلدية براقي بالجزائر العاصمة، باستفادته بشكل إيجابي من الصفحات الفايسبوكية التي تشمل التحضير لشهادة البكالوريا إضافة إلى صفحات اليوتيوب أو ما يعرف بقناة اليوتيوب المتخصصة في الباك ولجميع الشعب، حيث يحرص بعض المتطوعين من أساتذة وطلبة جامعيين على مد يد العون بالشرح المفيد لمتابعيهم تخص دروسا لأبرز المواد المهمة لكل شعبة، تشرح بشكل واف وبمنهجية لهؤلاء ما يتعلق بالبرنامج الدراسي، كما توفر بعض الفضاءات حوليات لمختصين من الأساتذة والمؤطرين وأخرى لخبراء في الصحة وعلم النفس، تقدم لهم كل ما يحتاجونه للوصول بكامل الجاهزية لهذا الامتحان المصيري.
بينما يعترف "التلميذ هشام. ص"، المتمدرس في ثانوية محمد هجرس بالمحمدية بالعاصمة، بأنه يلجأ شخصيا إلى مثل هذه الفضاءات لغرض واحد وهو الالتقاء ضمن مجموعات تضم أصدقاءه والمتمدرسين معه في ذات القسم ليس إلا، حيث يرفض أن يوسع من هذه الدائرة لكونه يحاول الحفاظ فقط على ما تعلمه داخل القسم ومن أساتذته لا غير، مشددا على أنه ضد فكرة اللجوء إلى الدروس الخصوصية بعيدا عن أساتذته، ونفس الأمر بالنسبة لصفحات الفايسبوك، غير أنه أشاد بتفرغ بعض الأساتذة ممن يدرسونه لمنحهم بعض الوقت للردّ على الأسئلة التي تطرح عبر الفضاء الأزرق، وهو ما جعله يتخلى عن مسألة اللجوء للدروس الخصوصية التي تنتشر بكثرة في مثل هذه الفترة من السنة.
• "حضر للباك بامتياز"، "نور المعرفة" و"الباك بين يديك".. حين ترافق الرقمنة الممتحنين
"حضر للبكالوريا بامتياز"، "طريقك للنجاح في البكالوريا"، "موقع الدراسة الجزائري"، "دعم نفسك في الباك"... وغيرها هي صفحات متخصصة عبر الفضاء الأزرق، يشرف عليها العشرات من المتطوعين وتضم الآلاف من التلاميذ من المعنيين بامتحانات نهاية السنة في الجزائر، وأولياؤهم وأشقاؤهم كل تفرغ لمد يد العون للممتحنين، حيث يقضي هؤلاء أكثر من 3 ساعات يوميا لنشر الحوليات والامتحانات والدروس وتوفير مادة تعليمية ليست متاحة للجميع، تساعدهم على التحضير الجيد لهذا الامتحان المصيري في حياتهم التعليمية.
بينما خصص العشرات من الأساتذة والمربين قنوات عبر اليوتيوب لتوجيه ونصح وإرشاد وحتى تعليم ومرافقة هؤلاء التلاميذ بالصوت والصورة، فنجد قناة الأستاذة بوسعادي، الأستاذ شريفي رابح، قناة لدرع انتصار، قناة نور المعرفة، بكالوريا الجزائر من بين أكثر القنوات متابعة من قبل الطلبة عبر اليوتيوب، ولعل الميزة الأبرز لهذه القنوات أنها تجمع أكثر من أستاذ وأكثر من مادة في المحتوى الذي تعرضه، عكس القنوات الأخرى التي تجدها مختصة في مادة واحدة فقط.
في حين يسابق العشرات من هؤلاء لتحميل تطبيق "الباك بين يديك" الذي يعتبر تطبيقا جزائريا شاملا للمقبلين على شهادة البكالوريا، ونظيره "البيام بين يديك" للمقبلين على امتحان البيام، خاصة أن التطبيقين يضمان دروسا، تمارين وملخصات واختبارات مرفقة بالحلول النموذجية للفصول الثلاثة، كما تتيح مثل باقي التطبيقات مجموعة كبيرة من الامتحانات التجريبية المصححة، وكذا دروسا مرئية بالصوت والصورة حيث يختار التلاميذ منها ما يشاء.
• التضامن تعويض للإضرابات عبر السوشيال ميديا
وبنظرة بسيطة على بعض هذه الفضاءات، يتأكد للمتابعين أن السوشيال ميديا أصبح فضاء للتضامن وفعل الخير بشكل إيجابي، إذ يلجأ بعض الأساتذة إليها لمساعدة أكبر عدد من التلاميذ، خاصة أمام الحملات التي استهدفت المعلمين بالقول أنهم سماسرة وأنهم يزيدون من معاناة العائلة الجزائرية من خلال الدروس التدعيمية التي تعرف نقاشا مجتمعيا واسعا، ويعتبرها البعض أحد أسباب تدني المستوى التعليمي في الموسم الدراسي الحالي الذي عرف إضرابات واسعة، ما جعل بعض التربويين يتجهون إلى الوسائل التكنولوجيا لإراحة ضميرهم في استدراك ما يمكن والتقليل من الصعوبات المتوقعة بعد إنهاء الإضرابات.
• خبراء وتربويون بين التحذير والدعوة للمراقبة !!
ولدى استفسارنا أهل الاختصاص حول هذه الظاهرة التي أصبحت تأخذ هامشا كبيرا من حياة المقبلين على الامتحانات المصيرية في الجزائر وأوليائهم، كانت آراؤهم بين مؤيدة لهذا التوجه وبين الرافضة لبعض آلياته. وفي هذا الصدد يؤكد أحد المشرفين على إحدى القنوات التعليمية في الجزائر عبر اليوتيوب، في حديثه مع "الرائد"، وهو مختص في التغذية، أنه منذ سنتين يقوم في مثل هذا الوقت من السنة بتخصيص أغلب المواضيع والنصائح والإرشادات لهذه الشريحة من الجزائريين، حيث يحاول تقديم ما يرى بأنه قادر على التقليل من الخوف والاضطراب الذي يكون الهاجس الأول لهؤلاء التلاميذ، لهذا يحاول المتحدث، الذي رفض نشر اسمه، من خلال إرشاداته تلك مساعدتهم على تجاوز هذا الجانب السيئ، سواء في فترة المراجعة أو في فترة الامتحانات، ويعتبر أن ما يقدمه بشكل مجاني لهؤلاء نابع من إيمانه بدوره في المجتمع والمساهمة فيه بما يقدر.
بينما ترفض "شريفي. ن"، أستاذة الفيزياء بإحدى ثانويات باب الزوار بالعاصمة، الاعتراف بمثل هذه الفضاءات كأداة بديلة عن الدروس الفعلية.
ورغم تأكيدها بالدور التربوي الذي توفره خاصة لتلاميذ المناطق الداخلية، خاصة فيما يتعلق باللغات الأجنبية، إلا أنها شددت على أن المراجعة أساسا خاصة للامتحانات المصيرية كالباك والبيام، تحتاج لتوجيه دقيق وصحيح دون البحث عن معلومات هامشية من هنا وهناك، كما ترى أن كثرة الأطراف التي تؤطر التلميذ لنفس المادة تفقده الكثير من التركيز، كما قد تضيع عنه المنهجية التي تعتبر أبرز محور يوم الامتحان.
وغير بعيد عن النظرة التشاؤمية هذه، تعود وتذكر الأستاذة شريفي بأن ما يعرض عبر الأنترنت هو محتوى مجهول المصدر وغير مراقب، وهو ما يجعلهم يقعون في متاهات يمكن أن تضيع مجهود الأستاذ داخل القسم، لهذا تشدد المتحدثة على أهمية أن يرافق الأساتذة تأطير تلاميذهم من خلال "المجموعات الفايسبوكية" التي أصبحت مثل القسم، حيث يخصص العشرات من الأساتذة أوقاتهم للرد على أسئلة تلاميذهم في أوقات الفراغ أو العطلة الأسبوعية، وهو الأمر الذي تسير عليه هي مع من يدرسون عندها.
• الأولياء يدافعون عن نجاح أبنائهم بكل الوسائل
وبين مؤيد ومرحب ورافض لهذه الخطوات في المسار البيداغوجي للتلميذ الجزائري، نجد أن نظرة أولياء التلاميذ تختلف كليا من طرف لآخر، فالأهم عند ولي الأمر هو أن يفتك ابنه أو ابنته هذه الشهادة كتتويج لمساره التعليمي قبل الجامعة.
وفي هذا الصدد، تقول ولية تلميذ في دردشة معها بأن مسألة استعمال التكنولوجيا الحديثة في الجزائر أخذت حيزا كبيرا من اهتمامات كل الفئات والتلاميذ كجزء من المجتمع الجزائري، كيفوا وضعهم مع هذا التطور الذي سمح لهم بالحصول على الحوليات والدروس وغيرها من النصائح والإرشادات بنقرة زر واحدة من هواتفهم المحمولة التي أصبحت كتبا ترافقهم عند اقتراب كل موعد امتحان مصيري.
وأوضحت محدثتنا أنها شخصيا تملك من الأبناء ثلاثة سيجتاز منهم اثنان شهادتين مهمتين، الأول البكالوريا والآخر شهادة التعليم المتوسط، وتقول بأن الأول يأخذ مسألة التكنولوجيا بجدية أكثر من الثاني، حيث يستغل تواجده الكثير في هذا الفضاء للتواصل مع زملائه التلاميذ وبعض الأساتذة أو تصفح المواقع التي تهم التعليم وتنمي رصيده المعرفي، خاصة في المواد التي يصعب عليه فهمها، بينما شقيقه الآخر الذي يجتاز شهادة التعليم المتوسط فقلة الصفحات المؤطرة الخاصة بهذه الشهادة جعلت من تواجده في فضاء السوشيال ميديا غير مجد، إذ يخسر غالبية وقته في البحث عن صفحة ما يمكنها أن تمد له يد العون، سواء من أساتذة أو زملاء مثله سيجتازون هذا الامتحان.
وتقدم هذه السيدة، من خلال تجربتها، نظرة مهمة عن مستويات الاهتمام بين الشهادات التعليمية في الجزائر التي لا تزال تخصص حيزا كبيرا منه للاهتمام بمن سيقبلون على شهادة التعليم الثانوي أكثر من أي شهادة أخرى، ليس فقط على مستوى الكتب المتوفرة والحوليات، بل تتعدى ذلك إلى فضاءات المعرفة التي يتيحها السوشيال ميديا.
• صحوة حكومية في تقنين الولوج لوسائل التواصل
إلى ذلك، تطرح إشكالية إقبال التلاميذ الأقل من 15 سنة على السوشيال ميديا بشكل عام إشكالية قانونية في مدى أحقية هؤلاء بالتواجد في هذا الفضاء، وصدقية المعلومات الشخصية التي يسلمونها لهذه الوسائل التي تسمح لهم بالولوج إليها، لهذا أخذ أولياء التلاميذ بتسجيل أبنائهم فيه حسب دراسات متخصصة في المجال، بغض النظر عن سنهم وقانونية ما يصرحون به، بل إن بعض الأولياء وبغرض الاستفادة من إيجابيات الشبكات الاجتماعية المتخصصة في التعليم، يبادرون بمنحهم حساباتهم الشخصية أي بمعلوماتهم، بينما يقوم الآخر بالتحايل في هذا الجانب طالما أن هذا الشرط لا فائدة منه حسب تعبير أحد أولياء التلاميذ ممن تحدثنا معه.
وبادرت الحكومة في الآونة الأخيرة بوضع ترسانة من القوانين هي محل نقاشات واسعة لدى الرأي العام، قد تسمح في المستقبل القريب باستحداث سلطة وطنية لحماية المعطيات الشخصية، وهو الإجراء الذي من شأنه أن يعيد تنظيم ورقابة متعاملي الأنترنت في البلاد من جهة، والزبائن من جهة أخرى، في السماح لهؤلاء بالاستعمال العقلاني والواقعي لمختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
حياة سرتاح