الوطن

المخزن قد يتخلى عن أطروحة الحكم الذاتي استجابة لأمريكا

بعد المكالمة الهاتفية للعاهل المغربي مع بان كيمون

 

أثبتت آخر مكالمة هاتفية أجراها ملك المغرب محمد السادس مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون حول ملف الصحراء الغربية، بأن المخزن غير من موقفه سواء أظهر ذلك أو أضمره، حيث بات غير متحمس بشكل كبير لمقاربة الحكم الذاتي التي ظل يتغنى بها لسنوات معرقلا مسار المفاوضات في كل مرة، وبرغم الحملة الإعلامية الكبيرة التي شنها على كريستوفر روس، إلا أن الأمور في النهاية جاءت عكس ذلك، حيث أبقى كيمون على مبعوثه الشخصي إلى الأراضي الصحراوية المحتلة، ما يشير إلى وجود إصرار أممي على إيجاد حل سياسي سلمي وفقا للمقاربة الأممية كما دعت إليه الجزائر دوما، فهل يعني أن المخزن أدرك عدم جدوى موقفه، وبالتالي القبول بالمقترح الأممي؟ أم أن الولايات المتحدة لعبت دورا في ذلك لضمان استقرار المنطقة خدمة لمصالحها الاستراتيجية؟

قبل المكالمة الهاتفية التي تبادل فيها العاهل المغربي محمد السادس أطراف الحديث مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، كان المخزن قد أقام الدنيا ولم يقعدها على المبعوث الأممي الشخصي لبان كيمون كريستوفر روس، وهذا عقب التقرير الذي أعده بخصوص الوضع في الجزء المحتل من الصحراء الغربية والذي لم يعجب المغرب، حيث شن الإعلام الحكومي المغربي حملة شعواء ضد روس واتهمه بالانحياز إلى الأطروحة التي تنادي بها جبهة البوليساريو أو كما يطلق عليها في المغرب "الأطروحة الانفصالية"، وحتى وإن لم ينطق الملك المغربي صراحة بموقفه، إلا أن يوسف العمراني الوزير المنتدب في الخارجية المغربية كان قد صرح بأن سبب سحب المغرب ثقته من كريستوفر روس جاء نتيجة إلى التراجع الذي عرفه مسار المفاوضات، وحمله المسؤولية في عدم تحقيق أي تقدم في المفاوضات للوصول الى حل سياسي متوافق عليه، وعلى الرغم من الزخم الإعلامي الذي رافق تصريحات الخارجية المغربية وموقف الحكومة ككل بشأن سحب الثقة من روس، والتضارب في التصريحات بشأن سحب الثقة ومخاطرها من إيجابياتها، إلا أن ذلك لم يشفع في الأخير في حمل الأمين العام الأممي على تغيير موقفه من مبعوثه الشخصي للصحراء الغربية، والنتيجة كانت تجديده الثقة فيه لاستكمال المهمة وفقا للمقاربة الاممية الداعمة لمسار المفاوضات وتقرير مصير الشعب الصحراوي.

لماذا سكتت الأصوات المعارضة لروس بعد المكالمة الهاتفية للملك مع بان كيمون؟

علقت إحدى الصحف الإلكترونية المغربية على الصمت الذي ساد في المغرب بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها العاهل المغربي محمد السادس مع الأمين العام الأممي بان كيمون أواخر شهر أوت المنقضي، بعنوان صريح يلخص تذبذب الرأي العام المغربي لما يتعلق الأمر بالملك ومواقفه، حيث عنونت إحدى مقالاتها بـ "لماذا ابتلع منتقدو كريستوفر روس ألسنتهم بعد أن تمسك بان كيمون به؟"، والصحيفة المعرفة باسم " لكم" معروفة بمقالاتها المنتقدة للحكومة، حيث تناول الموضوع كيف أثار التصريح المنسوب إلى يوسف العمراني الوزير المنتدب في الخارجية المغربية حول قضية الصحراء، التساؤل حول موقف المغرب الرسمي والنهائي من المبعوث الأممي الخاص بالقضية، كريستوفر روس. فقد نسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى العمراني تصريحا قالت إنه أدلى به إلى مجلة "جون أفريك"، يقول فيه بأن مشكل الصحراء يحتاج إلى "وسيط أممي جديد" في إشارة إلى استمرار قرار المغرب سحب ثقته من كريستوفر روس. وجاء هذا التصريح متناقضا مع مضمون المكالمة الهاتفية التي قالت نفس الوكالة الرسمية إنها جرت بين الملك محمد السادس وبان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، والتي فهم منها أن الطرفين اتفقا على بقاء المبعوث الأممي الحالي، وهنا تشير الصحيفة إلى أن الأمين العام الأممي أبلغ ملك المغرب بوضوح أن الأمم المتحدة لا تعتزم إدخال أي تغييرات على مهامها في مجال الوساطة الهادفة إلى إيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء مقبول من جميع الأطراف، مما يعني رفض الطلب المغربي باستبعاد كريستوفر روس وإصرار أممي على مواصلة نفس المقاربة لتقرير المصير.

كما تساءلت "لكم" عن سر تعامل وكالة الانباء الرسمية في المغرب مع خبر المكالمة الهاتفية بين الرجلين ( محمد السادس وكيمون )، حيث أوردت الخبر دون الإشارة إلى بقاء كريستوفر روس كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة، وهو الشخص الذي كان حتى الأمس القريب غير مرغوب فيه مغربيا، فضلا عن ذلك، لم يستسغ الإعلام تصريح العمراني وزير الخارجية، وما أثاره من لبس في الموقف المغربي الرسمي، وسارعت الوكالة الرسمية إلى بث قصاصة جديدة توضح فيها أن العمراني أدلى بذلك التصريح في منتصف جويلية الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ونشرتها أسبوعية "جون أفريك" التي تصدر من باريس في عددها الأخير، لكن الوكالة الرسمية لم تبين ذلك في قصاصتها الأولى، مما اضطرها إلى بث قصاصة أخرى لرفع حالة الالتباس التي لفت الموقف المغربي الرسمي. 

 ومن جملة التناقضات التي تظهر هشاشة الدبلوماسية المغربية في ملف روس، هو التناقض الذي جاء في تصريحات للوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية المغربية، ومضمون المكالمة الهاتفية بين الملك والأمين العام للأمم المتحدة، حيث كان الوزير أول من انتقد قرار سحب الثقة من روس واعتبره قرارا "خاطئا" و"متسرعا"، وهذا التضارب والتناقض في تصريحات المسؤول المغربي تكشف عن طريقة عمل الدبلوماسية المغربية التي تعتمد على "الارتجال" في المواقف حسب الصحيفة ذاتها، وانعدام المسؤولية والمحاسبة، وأضافت "فحتى قبل أسبوعين كان كريستوفر روس ومنذ أن أعلن المغرب في شهر ماي الماضي عن سحب ثقته منه، موضع انتقاد وتشكيك في نزاهته ومهنيته، وبعد أن رفض بان كي كيمون تغيير مبعوثه الخاص وأبلغ ذلك مباشرة إلى الملك محمد السادس، أخرست جميع الألسن التي كانت تنتقد المبعوث الأممي وتطالب بإبعاده عن الملف، ولم يصدر حتى الآن ما يبرر أو يفسر هذا التراجع في مثل هذا القرار. 

ما الذي حمل الملك المغربي على التراجع عن موقفه إزاء روس؟

بقي اللغط في المغرب حتى اليوم عن سر صمت الملك المغربي إزاء موقف الامين العام للأمم المتحدة بان كيمون بخصوص كريستوفر روس، حيث تداولت وسائل الإعلام والمدونات خبر المكالمة بالكثير من التحليلات والتساؤلات عن من يقف من وراء تغيير المخزن لموقفه من روس، ولم يفهم ما إذا كان الأمر جاء من طرف الأمم المتحدة أم من طرف الولايات المتحدة، لكن المهم في كل هذا هو موقف الملك نفسه، فهو الذي تحادث مع بان كيمون هاتفيا وسمع إبلاغ كيمون له بتمسكه بممثله الشخصي في الصحراء الغربية، وهو ما يوحي بتلقي محمد السادس لتوجيهات أو ضغوطات من طرف الولايات المتحدة لحمله على التراجع عن قرار سحب الثقة من روس، وتغيير نظرته إلى الحل في الأراضي الصحراوية المحتلة، ويفهم من صمت الملك المغربي وإذعانه لبان كيمون وتسليمه بالواقع، بأنه بداية التغير في الموقف المغربي الذي ظل ينادي بتطبيق مقاربة الحكم الذاتي والصحراء المغربية وأطروحة الوحدة الترابية. 

حرب المصالح تلعب دورها في توجيه الموقف المغربي

إن موقف المخزن من كريستوفر روس وقبوله في الأخير كممثل شخصي لبان كيمون في النزاع الدائر بينه وبين جبهة البوليساريو حول الجزء المحتل من الصحراء الغربية، يوحي بأن الملك المغربي قد حسب حسابات تلعب فيها المصالح دورا في تغيير الرؤى، فمكالمته الهاتفية مع كيمون أعادت الأمور إلى أكثر من نصابها، وفتحت الباب أمام حسابات الربح والخسارة في تدبير ملف "الوحدة الترابية"، وبالنسبة لبان كيمون، فإن كلامه كان يؤكد "أن الأمم المتحدة لا تعتزم إدخال أي تغييرات على مهامها في مجال الوساطة التي تتوخى إيجاد حل سياسي لهذا النزاع، مقبول من لدن الأطراف" وأن "مبعوثه الشخصي وممثله الخاص الجديد سيضطلعان بمهامهما". ولعل للولايات المتحدة دورا في تغيير الموقف اتجاه روس، حيث تريد هذه الأخيرة أن تكون منطقة المغرب العربي خالية من أية صراعات قد تعيق مصالحها الإستراتيجية، ولما يتعلق الأمر ببلدين هامين كالمغرب والجزائر كأهم قطبين في شمال إفريقيا، من حيث الإقتصاد والتعاون معها، تريد واشنطن من خلال دبلوماسيتها، أن تقنع المغرب بأطروحة الأمم المتحدة لتسوية النزاع في الصحراء الغربية وفقا لحق تقرير المصير بعيدا عن مقاربة الحكم الذاتي، التي يرجح أن يكون المخزن قد فهم بأنها فكرة لن تخدمه على المدى البعيد، بالنظر إلى المصالح المشتركة مع الجزائر وحاجته إلى التعاون الثنائي على كافة الأصعدة.

مصطفى. ح

من نفس القسم الوطن