الثقافي
"معجز أحمد": كيف نظر المعري إلى المتنبي
على الرفّ
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 مارس 2018
لم يجر تحقيق رحلة أبو العلاء المعري (973 -1057) إلى بغداد، المدينة الوحيدة التي هواها ولم يهوى غيرها بلداً، لكن ما تُجمع عليه الروايات التاريخية أنه كتب فيها أهمّ قصائده التي حملت رؤيته الفلسفية والسياسية بعد معاركه مع الفقهاء فيها، والتي لم تكن خصومة حول مكانة العقل والإنسان فقط بل تضمّنت مواجهة حول الشعر والشعراء.
كان المتنبي (915 - 965) الأقرب إلى قلبه وعقله فحفظ قصائده وتتبّع أثره، وافترق عنه في ابتعاده عن السلطة وأهلها؛ موقف مكّنه من انتقاد قصيدته في مواضع ضعفها وهناتها، والتصدّي في الوقت نفسه لكلّ من تجرأ على النيل من أبي الطيب خاصة من المعمّمين والشيوخ، "معجز أحمد" عنوان الكتاب الذي ألّفه المعري في 1920 صفحة مضمّناً شروحاته لديوان المتنبي وملاحظاته التي تعبّر عن رؤية ناقد درس الشعر والأدب والفقه والفلسفة والأديان والتاريخ وجادل فيها منذ العاشرة من عمره، وقد صدرت الطبعة الثانية منه في أربعة أجزاء عن "سلسلة الذخائر" في "الهيئة العامة لقصور الثقافة" في القاهرة، بتحقيق عبد المجيد دياب.
يذهب المحقق في تقديمه إلى تبيان مسائل عدّة ظلت موضع شكّ والتباس لدى المؤرخين، إذ يلفت إلى أن وصول الكتاب دون مقدّمة، على غير عادة صاحب "سقط الزند" في جميع مؤلّفاته، قد يفسّر بواقعة الاعتداء على آثاره بعد حوالي أربعين عاماً على رحيله، ويرى أن قول بروكلمان وجرجي زيدان والميمني في أن هذا المخطوط عنوانه "اللامع العزيزي" وأن القول إن "المعجز" مفقود هو رأي غير صحيح بعد عودته إلى المراجع التاريخية، يميل دياب إلى أن الكتاب قد يكون آخر ما ألّفه أبو العلاء ما يفسّر عدم وروده في ثبت كتبه، وأن العنوان كان يصف به المعري ديوان المتنبي كلما ذُكر أمامه، وفي جلسات أخرى كان يقول "الشاعر" وهي صفة لم يطلقها على غيره.
تشير المقدمة إلى أن مقولة ابن خلكان: "واختصر (أي المعري) ديوان أبي تمام وشرحه وسماه "ذكرى حبيب"، وديوان البحتري وسمّاه "عبث الوليد"، وديوان المتنبي وسمّاه "معجز أحمد" وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها، ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم، وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم، والتوجيه في أماكن لخطئهم"، يوضّح المحقق أن "بعضهم فهم من هذا أن "معجز أحمد" شرح لمختصر الديوان، وليس بصحيح، بل هو أوفى شروح المتنبي استقصاءً لشعره. ونجد فيه ما لا نجده في كتاب، كقصة إنشاده: "بلى تستوي والورد والورد دونها". ومن نوادره قوله في إحدى سرقات المتنبي من شعر كثيّر عزة: (وهذه السرقة قبيحة، لأنه أخذ المعنى واللفظ والوزن والقافية) ومنها: تفضيله بيتاً لليلى الأخيلية على بعض أبياته".
يفتتح المعري كتابه بأوّل شعر كتبه المتنبي في صباه: "أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدني/ وفرّق الهجر بين الجفن والوسن"، ويخلص في شرحه إلى القول "وخص يوم النوى، لأن برح الهوى إنما يشتد عند الفراق، والهوى عذب مع الوصال سمّ مع الفراق".