الوطن
الجزائريون يتخلون عن "الادخار" ويتوجهون نحو "الكريدي"
ارتفاع الأسعار وتدني قيمة الدينار يساهمان في تغيير العادات الاقتصادية لمعظم العائلات
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 17 مارس 2018
• رزيق: المواطن الجزائري يمر بمرحلة عصيبة من الالتزامات المالية المستمرة
ساهم الارتفاع الكبير في الأسعار وتدني قيمة الدينار في تغيير العادات الاقتصادية لمعظم العائلات الجزائرية، التي وجدت نفسها مجبرة على التخلي عن عادة الادخار والتحول نحو الاقتراض. فمعظم العائلات الجزائرية أصبحت تكمل الشهر بالكيريدي، وهو ما يمثل ضغوطات أكبر على الميزانية.
وقد فقدت أغلب العائلات الجزائرية ميزة الادخار، حيث تؤكد أغلب العائلات أن غلاء المعيشة أصبح العائق الأكبر في سبيل توفير القليل من المال لوقت الحاجة، ذلك أن معظم المواد الغذائية قد ارتفعت أسعارها إلى النصف في ظرف أقل من سنة، وأصبح المواطن يجد صعوبات عدة في حصر ميزانيته خلال شهر، حيث أن رواتب الموظفين بالكاد تغطي مصاريف المواد الأساسية، وإن كانت بعض العائلات الجزائرية تستطيع التحكم في مداخيلها، لتجنب نفسها الاقتراض، فإن بعض العائلات لا تملك أي فرصة للادخار وتعيش مع الاقتراض طوال أيام السنة، كما أن الاندثار السريع لعادة الادخار العائلي لم يقتصر على أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط، بل امتد إلى أصحاب الدخل المرتفع، حيث دفعت هذه الفئة دفعا نحو تغيير عاداتها الإنفاقية بشكل قلص ادخارها ونسف العديد من مشاريعها، وقد بات حال الأسواق، هذه الأيام، يشكل ضغطا إضافيا على الأسر، فالأجرة التي كانت تسد احتياجات العائلة في وقت سابق أصبحت اليوم لا تكفي لإتمام الشهر بسبب الأسعار الملتهبة، وهو ما ينشف أي محاولات للجزائريين للادخار، بل يدفع بالعديد منهم للجوء إلى الدين أو الكريدي في صورة تمثل مزيدا من الضغط، فأغلب الأسر محدودة الدخل لم تتمكن من مسايرة وتيرة ارتفاع الأسعار التي شملت كل المنتجات والخدمات، خاصة وأن الفارق بين الأجور ومستوى المعيشة بلغ مستويات جد مرتفعة، ما جعل الجزائريين يلجأون نحو حل وحيد وهو الاستدانة، الذي عوض الادخار الذي كان عادة الجزائريين في فترات سابقة.
• رزيق: المواطن الجزائري يمر بمرحلة عصيبة من الالتزامات المالية المستمرة
وفي هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي كمال رزيق، أمس، في تصريح لـ"الرائد"، أن المواطن الجزائري يمر بمرحلة عصيبة من الالتزامات المالية المستمرة، والتي لا يستطيع معها ادخار بعض الأموال لوقت الحاجة، مشيرا أن الادخار العائلي كان يمثل حوالي خمس الادخار الوطني في الجزائر، غير أن هذه النسبة لم تصمد كثيرا وتراجعت في الفترة الأخيرة بشكل لافت بسبب ارتفاع أعباء المعيشة وعدم مسايرة دخل العائلات الجزائرية للمتغيرات التي تعرفها الأسواق، منها ارتفاع الأسعار بأكثر من 30 بالمائة خلال سنة واحدة، حيث أشار رزيق أن عادة الادخار لدى الجزائريين حلت محلها ظاهرة "الكريدي"، حيث أكد رزيق أن أكثر من نصف الجزائريين باتوا يعيشون على "الكريدي"، حيث أصبح هذا السلوك الحل الوحيد بالنسبة للعديد من العائلات من أجل مواجهة المصاريف التي تضاعفت بشكل كبير خلال الثلاثة أشهر الأخيرة.
وقال رزيق أن هناك فارقا كبيرا بين ما يتقاضاه الجزائريون وبين ما ينفقونه، مؤكدا أن أكثر من 80 بالمائة من أجرة الجزائري تذهب لتغطية مصاريف الغذاء فقط، لتبقى المصاريف الأخرى المتعلقة بخدمات النقل والعلاج تمثل ضغطا على المواطنين، وعليه أشار ذات الخبير أن نهاية العهد بين الجزائريين والادخار كانت متوقعة بالنظر لعدة مؤشرات، وعلى رأسها الغلاء وارتفاع الأسعار وبقاء الأجور ثابتة، الأمر الذي خلق خللا بين ما يتقاضاه الجزائري وبين ما يصرفه، بالإضافة إلى تهاوي قيمة العملة الوطنية بحوالي 30 بالمائة، وهو ما فجر نسب التضخم.
وقال رزيق بما أن الأجور بقيت ثابتة ولم تساير هذا التغيير، فإنه من الطبيعي أن يتراجع الادخار بالشكل الحالي، لأن كل ما يتقاضاه الفرد الجزائري أصبح ينفقه وفي الكثير من الأحيان فإن ما يتقاضاه الفرد لا يكفيه لتغطيه مصاريفه، ما يجعله مضطرا للجوء للقروض أو ما يعرف بـ"الكريدي"، وهو ما يمثل ضغوطا إضافية على ميزانية الفرد وإرهاقا لموارده المالية. من جانب آخر، قال رزيق أن تراجع الادخار في البنوك على وجه الخصوص لا يعود بشكل أساسي لزيادة الضغوطات المالية وغلاء الأسعار، وإنما حتى لنظام البنوك وبدائية هذه الأخيرة، معتبرا أنه من غير المعقول أن يجد المواطنون كل مرة صعوبات كبيرة لسحب مدخراتهم ولو بمبالغ صغيرة، بالإضافة إلى استغراق عملية سحب واحدة لقرابة ساعتين أو أكثر، مع اشتراط أن يتوجه العميل إلى المصرف الذي فتح فيه الحساب، أي لا يمكن السحب من أي مصرف في الجزائر غير المصرف الذي يتعامل معه الشخص، وهو ما لا يشجع على الادخار في البنوك بتاتا.
س. زموش