الثقافي

"التلقي بين الأدب والسينما": من هو الجمهور؟

على الرفّ

في كتابها الأوّل؛ "التلقي بين الأدب والسينما"، الصادر مؤخراً عن "دار سليكي" في طنجة، تقتحم الباحثة المغربية جميلة عناب قضايا متشعّبة يفتح عليها اختيار موضوع التلقي للدراسة، وهو ما يستجيب لكثير من الأسئلة المتواترة، في المغرب وفي غيره من البلدان، والمرتبطة بنجاح الفيلم أو فشله، ومعايير تصنيف الأفلام. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن نذكّر بأن هذا الكتاب قد يكون أوّل إصدار مغربي في نقد السينما تقف خلفه امرأة.

بشكل عام، يمكن القول إن النقاش في المغرب لا يهدأ حول ما ينبغي تقديمه للجمهور. فبينما ينحاز النقّاد إلى التصوّر الجمالي الذي ينظر إلى الفيلم بحسب مقوماته الجمالية، يطغى نوع آخر من الأفلام ويحتلّ قاعات السينما، ضمن أعمال لا يلتزم أصحابها بمعايير لا يفتأ يتحدّث عنها النقّاد، في حين تجد أفلام التصوّر الأوّل مساحة عرض ضيّقة تكاد تنحصر في المهرجانات، ومع مرور الوقت تزداد الهوّة شساعة بين التصوّرين السابقين.لكن العودة بالموضوع إلى مشرحة النقد لم يكن في الغالب تناولاً شمولياً ينظر إلى المسألة في بعدها الجمالي والتجاري معاً وفق ما تُمكّننا منه نظريات التلقي باختلاف تصوراتها للعلاقة الممكنة بين النص (بمفهومه العام) والقارئ وارتباطها بالأنواع الفيلمية. فكتاب "التلقي بين الأدب والسينما"، يقف بين التصوّرين السابقين ويعيد النظر في العديد من القضايا التي تؤطر التلقي السينمائي.

من جهة أخرى، يفتح الكتاب نقاشاً نقدياً لطالما واجه نقّاد السينما، عن إمكانية وحدود استعارة مفاهيم لسانية وفلسفية وأدبية أثناء التحليل الفيلمي. تقول الكاتبة: "إذا كنا نستند في وصف مكوّن التلقي في الإبداع المكتوب (قصة، رواية، شعر...) على عدد من المفاهيم المستمدة من الطبيعة الكتابية واللسانية، ومن حقول معرفية متعددة كالبلاغة أو السيميولوجيا أو علم النفس أو علم الاجتماع؛ فهل يمكن أن نوظّف نفس الجهاز المفاهيمي في دراستنا للتلقي على المستوى السينمائي (الصناعة، الإنتاج، التسويق...) وعلى المستوى الفيلمي باعتباره بعداً خطابياً، وبنية حكائية، ولغة فيلمية مركّبة، وعلاقات قولية قائمة بين ناظم الفيلم (المخرج) والمتلقي، ما دام التلقي، هنا، ذو تمظهر سمعي بصري مختلف عن الظواهر الأدبية؟ ألا تقتضي الطبيعة الفيلمية، وقنواتها المتعددة مقاربة من نوع خاص".

يستمر منهج التصنيف أيضاً بتمييز الكتاب بين أنواع المتلقين، بحيث نجد المتلقي الناقد، الذي يتميز عن غيره في العادة بنوعية الكتابة التي ينجزها وتتصف غالباً بصفة الأكاديمية. ثم المتلقي المخرج، وهو مرتبط بالعلاقة المفترضة بين البنية والرؤية الجمالية والفنية التي يطرحها العمل الفني، أما النوع الثالث فهو المتلقي العام، المرتبط أساساً بمفهوم الجمهور السوسيولوجي المحكوم في تلقيه بسياقه الاجتماعي والثقافي والمعرفي والسياسي. كما نجد في هذا الفصل رصداً دقيقاً لمختلف أشكال التلقي بين القاعة سينمائية، والتلفزيون، والحواسيب، واللوحات الإلكترونية (...)، وهنا يستشعر الكتاب الاكتساح التكنولوجي الذي عرفته السينما سواء في عرض الأفلام أو في صناعتها.

 

من نفس القسم الثقافي