الوطن

طلاق لأتفه الأسباب يميع العلاقات الزوجية ويهدد تماسك المجتمع

الميثاق الغليط يتحول عند كثيرين إلى مغامرة غير محسوبة النتائج قد ينتهي بمأساة

عية: الطلاق دون أسباب حرام

سعدي: واقع الطلاق أعمق وأخطر من الإحصائيات

 

لا تزال أرقام الطلاق والخلع في الجزائر تشير لانهيار اجتماعي وشيك يهدد الأسرة. فظاهرة الطلاق تتزايد من يوم لآخر مخلفة معها عقدا نفسية في المجتمع. فالطلاق والخلع والمشاكل الزوجية التي ظهرت للعلن بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، جعلت الميثاق الغليط يتحول عند كثيرين إلى مغامرة غير محسوبة النتائج، قد تنتهي في الأخير بمأساة الطلاق.

تسجل الجزائر زيادة مطردة في نسبة الطلاق، مقابل انخفاض في عدد الزيجات، بحسب الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن الديوان الوطني للإحصاء، فقد بات الطلاق يطرح من بين الخيارات الأولى عند مواجهة أي مشكلة بين الزوجين، وهو ما حوله إلى ظاهرة مخيفة تنجر عنها مشاكل اجتماعية خطيرة، لا تتعلق فقط بالأزواج المطلقين وإنما حتى بالأبناء وبالمحيط العائلي. فكل من يتعرض لنسب الطلاق والخلع الموجودة وكذا المشاكل الزوجية التي باتت تنشر على الفايسبوك أصبح يرى في الزواج مغامرة قد تنتهي بمأساة الطلاق.

وبحسب العديد من الخبراء، فإن ظاهرة الطلاق في الجزائر لا يمكن السكوت عنها وإنما تتطلب دراسة معمقة لمعرفة الأسباب الحقيقية، معتبرين أن الطلاق المبكر هو ما يمثل الخطورة الحقيقية، حيث تستقبل المحاكم يوميا آلاف الحالات لأزواج لم يمض على زواجهم سوى أشهر، ما يعني أن قرار الانفصال بات يتخذ لأتفه الأسباب، ويطالب المختصون بضرورة عقد جلسات وطنية لطرح الأسباب الحقيقية وراء تفشي ظاهرة الطلاق، خاصة في وقت مبكر، بالإضافة إلى استحداث آليات جديدة بهدف خلق الاستقرار بين الأزواج ودراسة مسألة الطلاق والخلع من جوانبها المختلفة، التشريعية والقانونية والاجتماعية، بغية إيجاد الآليات والوسائل التي تسمح بالمحافظة على أركان الأسرة المبنية على المودة والرحمة والاستقرار.

 

سعدي: واقع الطلاق أعمق وأخطر من الإحصائيات

 

وفي هذا الصدد، أكد الأستاذ في علم الاجتماع في جامعة الجزائر، الهادي سعدي، لـ"الرائد"، أن قضايا الطلاق والخلع تكاد تكون يومية أمام المحاكم في الجزائر، والأخطر أن هناك أزواجا باتوا يطلبون الطلاق قبل مرور شهر على زواجهم، وهو ما ميع العلاقة الزوجية وجعلها في مهب الريح. وأضاف سعدي أن الإحصائيات المقدمة فيما يخص قضايا الطلاق والخلع تعد بعيدة عن الواقع لأنه من الناحية السوسيولوجية يمكن أن يحدث على شكل طلاق اتصالي ونفسي، دون إثباته من الناحية القانونية، وبالتالي فإن واقع الطلاق أعمق وأخطر من الإحصائيات. 

وقال سعدي أن هناك طلاقا عاطفيا ونفسيا بين الأزواج، فنسبة كبيرة من العلاقات الزوجية باتت تتسم بالعنف والمعاناة وهي حالات على كثرتها لا تصل إلى المحاكم حفاظا على الأبناء، وخوفا من عواقب الطلاق كالنفقة وتوفير السكن، ما يعني أن الطلاق المخفي يعد أخطر أحيانا من الطلاق المعلن، خاصة على الأبناء.

 من جانب آخر وبالنسبة للطلاق المبكر الذي بات يهدد الاستقرار الأسري، قال سعدي أن تغيير النظرة تجاه الزواج هو السبب في الطلاق المبكر، مشيرا أن الزواج بعدما كان وسيلة لتحقيق الاستقرار وبناء أسرة متماسكة، بات في حد ذاته غاية مثل الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية، فبمجرد أن يتزوج الرجل أو المرأة يكونان قد حققا الهدف أو الغاية التي هي الزواج، رغم أن هذا الأخير ليس غاية، وبالتالي فإنه عند أتفه سبب وأول عقبة يتحول الطلاق بمثابة الانتقام سواء للرجل أو المرأة.

 من جانب آخر، قال سعدي أن هناك أسبابا أخرى للطلاق وما أكثرها، مشيرا أنه لا يمكن انتظار علاقات زوجية مستقرة في ظل مجتمع متوتر يعيش تراكمات نفسية واجتماعية واقتصادية، مضيفا أنه كلما قام الزواج على قاعدة هشة يكون الطلاق الطريق الأقرب لنهاية هذا الزواج.

 

عية: الطلاق لأتفه الأسباب حرام

 

من جهته، اعتبر إمام المسجد الكبير علي عية، في تصريح لـ"الرائد"، أن أكثر من 90 بالمائة من حالات وأسباب الطلاق ابتعدت في مجملها عن الهدف الأساسي التي شرع الله من أجلها الطلاق الذي يعد الحل للخلافات الكبيرة التي يستحيل معالجتها، ليصبح الطلاق هو الحل الوحيد بفصل الزوج عند الزوجة، غير أن ما يحدث في الجزائر بات جد خطير، فمن غير الممكن أن نتحدث عن طلاق جائز وعمر الزواج لم يتعد الشهر ولأسباب تتعلق بالشخير أو المسلسلات وغيرها من الفضائح التي تعرفها المحاكم. 

وأكد عية أن الطلاق يمكن أن يكون محرما إذا كان فيه ظلم ومفسدة تضر بالزوج أو الزوجة أو الأبناء، مشيرا أن الطلاق الذي يحدث لأتفه الأسباب دون مراعاة الأبناء أو الزوجة أو الزوج يعد إثما سواء بالنسبة للرجل الذي يكون أحيانا متسلطا ولا يراعي حقوق المرأة التي تعتبر تكريما لها، والأكثر من هذا يقوم بتطليقها لأتفه الأسباب من دون مراعاة ظروفها، والأمر نفسه بالنسبة للمرأة. 

واعتبر عية من جانب آخر أن المشرع أخطأ في تسهيل إجراءات الخلع والطلاق، مضيفا أن الحل للتقليل من هذه الظاهرة التي باتت تهدد التماسك الأسري والمجتمعي هي إحياء مجالس صلح حقيقية ترافق الأزواج، قبل لجوئهم إلى المحاكم، مشيرا أن للأئمة دورا كبيرا في الإصلاح بين الزوج والزوجة.

س. زموش

 

من نفس القسم الوطن