الثقافي

صدر قديماً: سلامة موسى في "كتاب الثورات"

على الرفّ

ربما لم ينشر سلامة موسى (1887-1958) في حياته مقالاً أو كتاباً إلَّا وقد أُخِذَ بِخناقه، إذ كان يعمدُ كثيراً إلى مباغتة القارئ بما يفاجئه به من أفكارٍ تحوي من الجرأة والصدمة ما لا يشترط معه عمقُ التحليل ومنطق العلم. والأفكار الجريئة ليست سُبّة في ذاتها، كما أنها ليست ميزة إلّا إذا أتت بجديدٍ يسمو بالفرد والمجتمع ويعمّق صلة العقل بالعلم والواقع.

ومنذ عاد من رحلته المبكرة من أوروبا، وأصدر كتابه الأول "مقدمة السوبرمان" (1910)، وأفكار موسى تنمو وتتطوّر في اتجاهٍ واحدٍ؛ يراه خصومه أنه اتجاه التغريب الكامل والانسلاخ من هوية المجتمع والعمل على تغييرها. حيث اختار الكاتب المصري سبيل الترويج لحزمة من الأفكار النقدية حول اللغة والدين والمجتمع، جعلته محوراً لكثير من السجالات، وُصِف خلالها أحياناً بالعنصرية والمبالغة، وأحياناً بالخفّة والسطحية، حتى قال عنه العقاد: "إن العلماء يحسبونه على الأدباء والأدباء يحسبونه على العلماء، لهذا فهو المنبتّ الذي لا علماً قطع ولا أدباً أبقى".

وعلى جانب آخر موالٍ له؛ استطاع موسى أن يكون رائداً مؤسِّساً لتيارٍ من الشباب اليساري المتحرّر، الذين تحرّشوا بمُخالفيهم باستخدام لغةٍ وُصِفَتْ بأنها متطاولة سفيهة بذيئة، ما دفع دريني خشبة إلى القول إن "الأستاذ سلامة" يفسح في دوريّته؛ "المجلة الجديدة"، لهؤلاء "السفهاء مجالاً واسعاً يُهرّجون فيه تهريجاً لا يتفق ومقام الأستاذ ومكانته الرفيعة في نهضة هذا البلد"، وإذا كانت معظم حياته ومعاركه قد عاشها في عصر الملكية، فقد كان طبيعياً أن يكون ساخطاً على القصر، مستبشراً بالانقلاب عليه، بالرغم من أنّ مبادئه القديمة كانت لا تميل لفكرة الثورة المفاجئة، ويفضّل التدرّج في التغيير. لكن جاءت "حركة الضباط الأحرار" بإقصاء الملكية في آخر عمره على مزاجه؛ فألف سنة 1954 "كتاب الثورات"، وأرّخ فيه لفكرة الثورة في ثقافات الشعوب، وسلّط قلمه الحادّ على الملك فاروق وأسلافه، واعتبرهم أصحاب مسؤولية مباشرة في إفساد المجتمع المصري.

بل كتب أن جدّهم الأكبر محمد علي كان أكبر كارثة على البلاد؛ قائلاً: "مرّت بمصر كوارث تعدّ بالمئات، ولكن الطامة الكبرى كانت استيلاء محمد علي عليها، وإحالتها إلى عزبة خاصة له؛ إذ جعلها كلها إقطاعاً يعمل فيه المصريون عبيداً، ويجمع هو الريع. وعاش ومات هذا الألباني، وهو لا يعرف كلمة من لغتنا العربية، وكان الشعب يبغضه ولكنه كان يعجز، وهو أعزل، عن مقاومة العصابات التي ألفها من الأتراك والألبان وسمّاها جيشاً".

وفي هذا الكتاب، يحاول موسى أن يقرّر قاعدة عامة في سلوك المجتمعات؛ وهي أن ثورات الشعوب تجري على نمط واحدٍ لا يتغيّر، إذ يبدأ الأمر باستبداد الطغمة الحاكمة وتعنّتها ضد الناس، وشيئاً فشيئاً تزداد الضغوط إلى أن يحدث الانفجار.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي