الوطن

السلم الاجتماعي في خطر ؟!

وضع اجتماعي متدهور، احتجاجات وملفات أشبه بالقنابل الموقوتة

عجزت العديد من الوزارات عن احتواء الغضب الذي يجتاح قطاعاتها بشكل بات يهدد الوضع الاجتماعي ككل، فالصراع الذي يدور حاليا بين الحكومة والنقابات امتد بشكل مخيف إلى أكثر من قطاع، موازاة مع تصريحات استفزازية وغير مسؤولة من طرف بعض الوزراء، وفتح لملفات في توقيت غير مناسب، على غرار ملف إلغاء الدعم الذي تحدث عنه راوية مؤخرا. 

كل هذا يحدث والفرد الجزائري يعاني الأمرين بسبب تدهور القدرة الشرائية، وهو ما يستدعي دق ناقوس الخطر حماية للتماسك الاجتماعي في ظل أزمة اقتصادية لم تنجل بعد.

ولم يتمكن العديد من الوزراء في حكومة أويحيى من تفكيك القنابل الموقوتة التي تلغم قطاعاتهم، وهو ما جعل الاحتقان سيد الوضع بالنسبة لقطاعات التربية والصحة والتعليم العالي والعمل، في حين يتخبط وزراء آخرون من أجل تجاوز أزمات فرضها الوضع الاقتصادي والمالي، على غرار قطاع التجارة وحتى السكن. 

وكل هذا بات يهدد الاستقرار الاجتماعي، من منظور أن الوضع بات متعفنا على أكثر من مستوى. فالمشهد الاجتماعي العام هذه الأيام يوحي بدرجة الخطورة، فالاحتجاجات والإضرابات تحولت إلى سمة للحوار بين الشركاء الاجتماعيين والحكومة. والأخطر من ذلك أن هذه الإضرابات توسعت بشكل لا يمكن السيطرة عليها من خلال التسويف أو التهديد أو الوعود الفارغة، فأغلب النقابات التي ترعى هذه الإضرابات تبحث عن التطبيق وعن ضمانات حقيقية حتى توقف إضراباتها. 

من جانب آخر، ظهرت على الساحة الاجتماعية الاقتصادية ملفات في توقيت ليس مناسبا على الإطلاق من أجل طرحها بمنظور العديد من المراقبين، على غرار ملف إلغاء الدعم الذي تحدث عنه راوية مؤخرا. فطرح هذا الأخير للملف أجج الوضع أكثر وجعل الجزائريين يبدون تخوفا واضحا مما ستؤول إليه الأسعار والأسواق بعد رفع الدعم عن الوقود ومواد أساسية أخرى، وهم من اختبروا تأثير رفع أسعار الوقود على كافة السلع والخدمات، حيث حذر الخبراء الاقتصاديون من جهتهم من التسريع في اتخاذ هذه الخطوة، لأن إلغاء الدعم لن يمس فقط المواد المدعمة وإنما يحدث زلزال أسعار في الأسواق وارتفاعا صاروخيا يمس كل المواد وكل الخدمات، وهو ما لا تتحمله القدرة الشرائية حاليا، حتى وإن تم تعويض هذا الدعم بمنح. 

من جانب آخر لم تسلم قطاعات أخرى من التوتر، فبقطاع السكن على سبيل المثال الذي يعد صمام أمان للسلم الاجتماعي ويعد من أولويات الجزائريين، فإن تأخر المشاريع السكنية وتأخر التكفل بالعديد من الطلبات أجج الوضع كذلك وجعل هذا الأخير يشهد العديد من الاحتجاجات، رغم تطمينات المسؤولين. فقطاع تمار في وضع حرج بسبب عدم طي ملف عدل 1 إلى غاية الآن وبطء التكفل بمكتتبي عدل 2، وهو ما يجعل القطاع ككل على فوهة بركان، شأنه شأن قطاع التجارة الذي لم يتمكن مسؤوله من السيطرة على الأزمات التي تشهده الأسواق من غلاء ومضاربة وندرة، خاصة بعد قرار منع الاستيراد حيث تعرف الأسواق لهيبا في الأسعار وندرة حادة وتدهورا في نوعية المنتجات، وهو ما أثر على القدرة الشرائية للفرد الجزائري. 

وبما أن المعيشة هي الأساسية بالنسبة للجزائريين فإن تأثر هذه الأخيرة أزم من المشاكل الاجتماعية من بطالة وفقر وضغوط مادية وحتى أمراض نفسية وعصبية، وهو ما ترجم في الضغط الموجود حاليا بالجبهة الاجتماعية. 

هذا ويري بعض الخبراء أن أكبر خاسر في المشهد الاجتماعي الحالي هي الحكومة الحالية والتي لم يتمكن مسؤولوها من السيطرة على الوضع والتعامل معه بروية وحكمة، بل أن بعض الوزراء أطلقوا تصريحات استفزازية جعلتهم من المغضوب عليهم، ما قد يعجل بتعديل وزاري يمس القطاعات التي تشهد انفلاتا غير مسبوق، وهو ما بدأ تداوله في أوساط السياسيين، غير أن الإشكال، بحسب الخبراء، لا يتعلق بأشخاص ووزراء وإنما بنمط تسيير أفرزه الوضع الحالي، معتبرين أنه حتى وإن تم إحداث تغيير وزاري فإن الآليات والإمكانيات المتاحة حاليا في التعامل مع مطالب النقابات المستقلة وكذا مع الأزمات الحالية التي يشهدها عدد من القطاعات تبقى نفسها محدودة، ما يعني أن التدخل يجب أن يكون على أعلى مستوى ومن طرف أعلى سلطة في البلاد لإنهاء حالة التوتر هذه والإبقاء على مكسب السلم الاجتماعي.

س. زموش
 

من نفس القسم الوطن