الثقافي

سنة الجزائر: عناوين كبيرة لمساحات بيضاء

معظم السجالات الثقافية تقتصر على الشخصيات التاريخية

عادةً ما تبدأ السنة الثقافية في الجزائر بوتيرة بطيئة. تقريباً، لا أحداث ثقافية بارزةً في نصفها الأوّل، على العكس من نصفها الثاني الذي يزدحم بالمواعيد الثقافية والفنّية. غير أن 2017 شذّت عن "القاعدة"، مع انطلاق مئوية ميلاد الكاتب مولود معمّري (1917 - 1989)، والتي أُعلن عن تنظيمها في عددٍ من المدن الجزائرية على مدار السنة، ببرنامجٍ يتضمّن ندوات ولقاءات تتناول مسار صاحب "الربوة المنسية" (1952) الأدبي والفكري، وإسهام بحوثه الأنثروبولوجية ودراساته اللسانية في تطوير اللغة والثقافة الأمازيغيّتَين.

التظاهرة، التي نظّمتها "المحافظة السامية للغة الأمازيغية"، انطلقت بالفعل في 25 شباط/ فبراير من مسقط رأس الكاتب؛ قرية "إيث يني" في محافظة "تيزي وزّو"، شرق الجزائر العاصمة. غير أنها بدت مجرّد استعادةٍ مناسباتية تكاد تخلو من مضامين لافتة، سيكون علينا انتظار الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر؛ حين يُنظَّم ملتقىً دولي، في الجزائر العاصمة، بعنوان "أموسناو (المفكّر): مصدرٌ للتقارب الحضاري العالمي"، بمشاركة قرابة ثلاثين أكاديميّاً وباحثاً من الجزائر وخارجها، ركّزوا على إبراز دور صاحب "الأفيون والعصا" (1965) في التأسيس للبحث العلمي في الثقافة الأمازيغية وتكوين باحثين شباب متخصّصين منذ الستّينيات.

غير أن الملتقى أغفل القطيعة التي شهدتها الدراسات في هذا المجال؛ إذ يبدو أن مشروع معمّري توقّف، بشكلٍ ما، لحظة رحيله في حادث مرورٍ اتَّهم بعضُهم السلطة بتدبيره. كان بارزاً أيضاً، الإعلان عن إعادة إصدار أعمال معمّري (الأدبية فقط) مع ترجمتها إلى الأمازيغية، بدعمٍ من وزارة الثقافة، في إطار الاحتفالية، وهو ما لم يتحقّق إلى الآن.

في خضمّ تلك التفاعلات، أعلن وزير الثقافة أن 2018 ستكون "سنة إحياء التراث الثقافي الأمازيغي"، مضيفاً أن برنامجاً ثقافياً خاصّاً بالتظاهرة سينطلق مع بداية السنة الأمازيغية التي توافق 12 يناير/ كانون الثاني والتي رسّمت عطلة رسمية قبل أيام، وعلى ذكر الأمازيغية، شهد يونيو/ حزيران إطلاق عائلة الفنّان والمناضل الجزائري الأمازيغي معطوب الونّاس، الذي عُرف بمعارضته السلطة ودفاعه عن الهويّة الأمازيغية، حملة توقيعاتٍ للمطالبة بإعادة فتح تحقيق في اغتياله، بعد إطلاق سراح المتّهَمين عام 2012. وتعتبر العائلة، التي تُلمّح إلى تورّط جهاتٍ سياسية في الاغتيال، أن "لا وجود لإرادة سياسية لنفض الغبار عن الملف".

شخصية المصلح عبد الحميد بن باديس (1889 - 1940) أخذت، هي الأخرى، مساحةً واسعة من السجالات التي عاشتها الحياة الثقافية في 2017. بدأ الأمر بسلسلةٍ من الكتابات التي نشرها الكاتب احميدة العيّاشي على فيسبوك، هي مقتطفاتٌ من كتابٍ كان يُفترض أن يُصدره نهاية السنة، ويتطرّق فيه إلى مسار ابن باديس وعلاقته بالاستعمار الفرنسي، وأيضاً "جمعية العلماء المسلمين" وموقفها من الثورة التحريرية. فتحت تلك المنشورات، التي استندت إلى مواد أرشيفية، نقاشاً استمرّ لأشهر بين مؤرّخين وفاعلين في الجمعية التاريخية التي اعتبرت أن الهدف منها هو "الإساءة إليها وإلى رموزها".

وتزامن ذلك مع جدل أثاره فيلم سينمائي حول حياة ابن باديس أنتجته وزارة الثقافة في إطار "تظاهرة قسنطينة عاصمةً للثقافة العربية 2015". في البداية، انتُقد خيار إسناد العمل إلى المخرج السوري باسل الخطيب؛ على "اعتبار أنه صاحب تجربة سينمائية متواضعة، وغير ملمٍّ بالسياق الجزائري بشكلٍ كافٍ".

وبعد عرض الشريط في أيّار/ مايو، اعتبر بعضُهم أنه يتضمّن "مغالطات تاريخية"، بينما دافع كاتب السيناريو، رابح ظريف، عن العمل، معتبراً أنه "يتناول حياة ابن باديس الإنسان، ويتطرّق إلى محطّات تاريخية بارزة تتجاوز الخطاب الرسمي". في الفترة نفسها، عُرض مسلسل تلفزيوني عن الشخصية ذاتها، وصدر كتاب للباحث عبد الله حمّادي بعنوان "ابن باديس.. سيرة ومسيرة".

وسيعود اسم بوجدرة مجدّداً مع كتابٍ أصدره في أكتوبر/ تشرين الأول بعنوان "مهرّبو التاريخ" (منشورات فرانس فانون) وجّه فيه تهمة تمجيد الاستعمار الفرنسي إلى عددٍ من الكتّاب الجزائريين؛ من بينهم: بوعلام صنصال، وسليم باشي، وفريال فيرون، ووسيلة تامزالي، وياسمينة خضرا، إضافةً إلى كمال داود الذي اتّهمه أيضاً بأنه كان عضواً في جماعة إسلامية مسلّحة. أثار الكتاب جدلاً واسعاً. وبينما التزمت غالبية تلك الأسماء الصمت، ردّ كلّ من خضرة وداود. الأوّل وجّه رسالةً عتاب إلى صاحب "التطليق"، والثاني رفع عليه دعوىً قضائية.

وفي مجال الفن السابع، استمرّت المهرجانات السينمائية بوتيرتها المعهودة. أبرزُها "مهرجان وهران للفيلم العربي" الذي أُقيمت دورته العاشرة بين 25 و31 يوليو/ تمّوز، واختُتمت بفوز "في انتظار السنونوات" بالجائزة الكبرى. وبينما احتُفي بمخرجه الشاب كريم موساوي واعتبر عملُه أبرز إنتاجات 2017 السينمائية، سيواجه المخرج بوعلام عيساوي موقفاً غير مسبوق بعد عرض فيلمه "الحنّاشية" في سبتمبر/ أيلول.

في مجال الكتاب، صدر عددٌ كبير من الروايات الجزائرية بالتزامن مع الدورة الثانية والعشرين من "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، التي أُقيمت بين 25 أكتوبر والرابع من نوفمبر. بعض الأرقام أشارت إلى أنها بلغت 120 عملاً، معظمها لكتّاب شباب.

أمّا المعرض، فشهد إقصاء 97 عنواناً و25 داراً من المشاركة، بدعوى "تحريضها على العنف، أو إشادتها بالإرهاب، أو مساسها بالأمن الوطني". ولم تكن الندوات واللقاءات الثقافية بمعزل عن الإقصاء؛ إذ مُنع الباحثان دحّو جربال وعيسى قادري من المشاركة في ندوة بعنوان "مكافحة الاستعمار"، ومُنع الكاتب سفيان جيلالي من توقيع كتابه "المجتمع الجزائري: صدمة الحداثة، أزمة القيم والمعتقدات"، وذلك بسبب مواقفهم السياسية المعارضة.

على صعيد الجوائز، عادت "جائزة الطاهر وطار للرواية"، بعد تبنّيها من وازرة الثقافة. دورتُها الأولى، في طبعتها الجديدة، كانت من نصيب كلّ من محمد الأمين بن ربيع عن "قَدّس الله سرّي" وبلقاسم مزغوشن عن "مؤبّن المحروسة يؤذن في فلورنسا". أمّا "جائزة آسيا جبار الكبرى للرواية"، فعادت في دورتها الثالثة إلى مرزاق بقطاش عن "المطر يكتب سيرته"، ونور الدين سعدي عن "شارع الهوية"، ومصطفى زعروري عن "هذا أملي".

ومن جهة أخرى، أعلنت وزارة الثقافة عن تأسيس جائزة جديدة تحمل اسم الفنّانة الجنوب أفريقية مريم ماكيبا (1932 - 2008)، باسم "جائزة مريم ماكيبا للإبداع الفني الأفريقي".

أمّا أبرز الأسماء الثقافية التي رحلت خلال هذا العام؛ فنذكر: المطربين: بلاوي الهواري (1926)، وموسى كرباش (1964)، وسيد أحمد زغيش (1954)، والمخرجَين محمود زموري (1946)، ويوسف بوشوشي (1939)، والفنان التشكيلي صالح حيون (1931)، والكتّاب: ديهية لويز (1985)، ومحمد حمّوتان (1933)، ونور الدين سعدي (1944).

في مجال المعمار، أُعلن عن قرب افتتاح "مسجد كتشاوة" في الجزائر العاصمة، والذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1612، بعد إغلاقه عام 2007 بسبب تصدّعات لحقت به جرّاء زلزال ضرب المنطقة. كما أعلنت الحكومة عزمها استكمال عملية ترميم "قصبة الجزائر"، التي أُسّست عام 1516 وصُنّفت ضمن قائمة التراث العالمي عام 1992.

 

من نفس القسم الثقافي