الثقافي

هيمنة الكوميديا السوداء والسيكودراما على العروض

في عروض مهرجان المسرح المحترف في دورته الـ 12

هيمنت الكوميديا السوداء بدرجة كبيرة  والسيكودراما بدرجة أقل على العروض التي قدّمتها الفرق المتنافسة ضمن المهرجان  الوطني الـ 12 للمسرح المحترف التي اختتمت الأحد الماضي وأخفقت بعض العروض في ارضاء الجمهور  بينما برز  الممثلون في أغلب العروض كرأسمال رمزي للعملية المسرحية أكبر من السينوغرافيا  والديكور والموسيقى.

واعتمد المخرجون على الكوميديا فيما يشبه البحث عن الفرجة واغراء الجمهور,  وانتقدوا الوضع العام من خلال السخرية, كما حضر المريض العقلي أو الأبله في  أغلب المسرحيات ما جعل كثيرا منها تنهل من السيكودراما، وقدم المخرج أحمد رزاق مسرحية "كشرودة" التي صفق لها الجمهور مطولا, كشرودة  عمل يشكل استمرارية في أسلوب رزاق المسرحي ضمن "الكوميديا السوداء" تناول عبره  البؤس العام وانسداد الأفق وانهيار القيم.

وينخرط عرض "الاشاعة" لأحمد خودي, في موجة الكوميدية الساخرة بتناوله موضوع  الفساد بالنقد والتعرية, حيث لجأ المخرج إلى تكثيف الفكاهة والحركة على الركح,  وأظهر الكثير من المفارقات التي يعيشها المسؤول الفاسد وحاشيته في البلدات  المعزولة عن مركزية العاصمة، وتأتي مسرحية "سلالم الظلمة" لمسرح قسنطينة من نص إخراج كمال فراد لتنخرط في  المسار الكوميدي, مبنية على تقاطعات حكائية تناقش تشكل السلطة باعتماد تقنية  "المسرح داخل المسرح", ولعل عمل فراد يلتقي وعمل ربيع قشي "المنبع" إضافة إلى  الكوميديا في استثمار لوحات مسرحية يمكن أن تشاهد مفصولة كمشاهد مجتزئة من  ريبرتوار المسرح الجزائري.

ويمكن اعتبار المخرج فوزي بن ابراهيم المخرج الأكثر حضورا عبر عرضيه "انتحار  الرفيقة الميتة" الذي يصنف كسيكودراما و"عطب" وهما العرضان اللذان حققا نسبة  جيدة من التناسق والاكتمال الفني, وظهر أن المخرج اشتغل على كافة عناصر العرض  وحاول أن يبرر فنيا كل خياراته, بل وتمكن من تقديم الحجة أمام المختصين في  المناقشة حول العرضين.

كما قدم المخرج عز الدين عبار عرض "الحارس" الذي ابهج الجمهور باتكائه على  البساطة والعمق والابهار دون أن يعمد إلى مؤثرات جانبية تشوش الحكاية والأداء  مبتعدا عن الكوميديا المبتذلة ومقترحا شخصية المريض العقلي الذي يهذي ويصيب، وضمن صناعة الفرجة عاد محمد شرشال بعرض "ما بقات هدرة" معتمدا على الفرجة  العالية ومسرح الايماء والمهرج وأدوات سينمائية, ولعل تقنيات السينما كانت  حاضرة في عروض منها عرض "ريح لحرور" و"المنبع".

وخيب العرضان "عودة الحراقة" لرشيد و"اوميرت الصمت " لابراهيم شرقي أفق  الانتظار لدى الجمهور المختص, إذ قدما محاولة فجة ومتواضعة نزلت عن مستوى باقي  العروض, من حيث البناء والخطاب المسرحي والخيارات الفنية, واشترط العرضان في  أن المخرج يمثل في المسرحية ويتصرف في النص.

ولم يتمكن رشيد معمرية مخرج وكاتب نص "عودة الحراقة" من تبرير عرضه الذي اتسم  بابتذال في الكثير من مراحله, وقدم نماذج شخصية متناقضة, حيث وضع المتفرج أمام  شخصيتين من بين ثلاث شخصيات, معتوه متزوج واب يهاجر "حراقا" مع رفيقه الذي  يبدو أكثر حيلة -وهو الآخر متزوج واب- ليقدم أولى الاخفاقات من خلال تركيب غير  مبرر, حيث لا تمثل هذه الفئة الحراقة الجزائريون.

أما الشخصية الثالثة فهي دمية تتحول إلى بشر, ورغم أن الفكرة كانت جيدة إلا  أن استثمارها لم يكن بقدر طرحها: فالدمية هي رمز ل"تشيئ المرأة في بلاد  الغرب", إذ يقتني الحراق الأكثر حيلة الدمية فتتحول إلى إنسان ويبقى هو يردد  أنه اقتناها بماله.

وقدّم ابراهيم شرقي عرضا أقل من صداه, واقترح تركيب مسرحي معارض لمسرحية  "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس, بتحويله الفيل إلى فيلة, دون أن يقبض  على حكاية واضحة, وادرج خطابا مسرحيا مقحما تخلله الصراخ والحركات السريعة غير  المبررة، بني العرض على حكاية الفيلة التي قتلت طفلا في السابعة, ثم قررت الرعية أن  تحتج, وعلى عكس مسرحية ونوس, فإن الرعية هنا تختلط بالملك وحاشيته ليصبحوا في  النهاية في جبهة واحدة -"جبهة المقهورين"- الذين يغنون من أجل وطنهم, في توجيه  غير مفهوم.

فريدة. س

 

من نفس القسم الثقافي