دولي
دوافع مساعي "إسرائيل" للعودة إلى أفريقيا
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 15 أكتوبر 2017
سعت "إسرائيل" -بشتى الوسائل والسبل- للتغلغل في أفريقيا لأنها تمثل جزءاً من مطامعها التي تمتد من الفرات إلى النيل، ويمثل البحر الأحمر أهمية كبيرة للمصالح الإسرائيلية التجارية والإستراتيجية، كما تحتاج إسرائيل إلى دعم الدول الأفريقية في مواجهة الدول العربية والإسلامية.
وقد أدركت "إسرائيل" مبكرا أهمية أفريقيا في المحافل والمنظمات الدولية، إذ يقول ديفد بن غوريون -وهو أول رئيس وزراء لإسرائيل- في إحدى خطبه بالكنيست عام 1960؛ إن الدول الأفريقية ليست قوية ولكن صوتها مسموع في العالم، وأصواتها في المنظمات الدولية تساوي في قيمتها أصوات الدول الكبرى، والصداقة الإسرائيلية الأفريقية تهدف في حدها الأدنى إلى تحييد أفريقيا في الصراع العربي الإسرائيلي، وفي أحسن حالاتها إلى ضمان مساندة أفريقيا للموقف الإسرائيلي.
العضوية الأفريقية
لقد حصلت إسرائيل على وضعية "عضو مراقب" في منظمة الوحدة الأفريقية، وظلت تحافظ على هذا الوضع حتى عام 2002 حينما جرى حل المنظمة واستُبدل بها الاتحاد الأفريقي كإطار منظِّم للعلاقات الإقليمية الأفريقية، وحاولت استعادة تلك المكانة فتقدمت 2003 بطلب الانضمام إلى الاتحاد كـ"عضو مراقب" لكن طلبها رُفض، وما زالت تحاول نيل هذه الصفة.
"تشير مصادر إسرائيلية إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شارك في قمة أفريقية إقليمية مصغرة بشأن الأمن والتصدي للإرهاب، عُقدت بأوغندا بحضور رؤساء دول وحكومات كينيا ورواندا وإثيوبيا وجنوب السودان وزامبيا وملاوي، وأنه حصل على تعهد من هؤلاء بـ"قبول إسرائيل دولة مراقبة في الاتحاد الأفريقي""
تشير مصادر إسرائيلية إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شارك في قمة أفريقية إقليمية مصغرة بشأن الأمن والتصدي للإرهاب، عُقدت بأوغندا بحضور رؤساء دول وحكومات كينيا ورواندا وإثيوبيا وجنوب السودان وزامبيا وملاوي، وأنه حصل على تعهد من هؤلاء بـ"قبول إسرائيل دولة مراقبة في الاتحاد الأفريقي".
وإذا استطاعت إسرائيل الحصول على صفة مراقب في الاتحاد فإن هذا يعد خصما مباشرا من رصيد الدول العربية على عدة أصعدة منها التنظيمي والمؤسسي، حيث يحق للعضو المراقب أن يقدم المقترحات والتعديلات وأن يشارك في المناقشات التي يشهدها الاتحاد، كما يُسمح له بطالب الانضمام إلى الاتفاقيات العالمية التي يُعدّ الاتحاد طرفًا فيها.
وبالتالي ستستفيد إسرائيل من ذلك باطلاعها على كافة المعلومات التي تخص المنظمات التابعة للاتحاد الأفريقي، مثل الجمعية العامة للاتحاد الأفريقي واللجان المتخصصة ومحكمة العدل الأفريقية، مما يدعم مركز إسرائيل كفاعل دولي.
ونلاحظ أن إسرائيل تستعمل الأداة الاقتصادية للتأثير على اتخاذ القرارات في الدول الأفريقية، فالأداة الاقتصادية ازداد استخدامها بسبب الظروف التي يمر بها العالم اليوم ومنها الأزمة الاقتصادية الأخيرة؛ فكل ذلك زاد اعتماد الدول على بعضها بعضا، وهذه الأداة يمكن استخدامها في إطار أسلوبين هما: العقوبات والإغراءات التي تشمل المعونات الاقتصادية والفنية والعسكرية والتدريب الأمني.
ثم أولت إسرائيل اهتماما خاصا بأنظمة الشباب محاولة تعميمها على البلاد الأفريقية، والأهم أنها كوّنت خبراء يمتازون بعقلية الرواد. وعن هؤلاء الخبراء الإسرائيليين يقول أحد كبار الصحفيين وقد زار دولا أفريقية وشاهد دورهم فيها: "بينما يطلب الفنيون الأوروبيون والأميركيون المكاتب المكيفة، ولا يظهرون إلا ببدلات أنيقة وبقمصانهم البيض وهم يدربون الفلاحين الأفارقة على وسائل تنمية الإنتاج؛ نجد الخبير الإسرائيلي غالبا وسط الحقول مع الفلاحين لابساً الشورت الكاكي...".
إسرائيل لم تكن بعيدة في يوم من الأيام عن التدخل في أفريقيا، ولكنها اليوم تمثل وجوداً في عواصم دول القرن الأفريقي وخاصة أديس أبابا، إضافة إلى وجودها في نيروبي وكمبالا. فإسرائيل تدرك أن هذه المنطقة هي المدخل إلى أفريقيا كما أنها منطقة إستراتيجية.
ويعود الوجود الإسرائيلي في إثيوبيا إلى ستينيات القرن الماضي، حين أقدمت تل أبيب على الحضور المبكر في القارة الأفريقية بإرسال خبرائها في مجالات الاقتصاد والأمن والاتصالات، فضلاً عن تدشين سفارتها بأديس أبابا التي تعد الأضخم بعد نظيرتها في أميركا، بحسب مركز القدس للدراسات السياسية.
وفي 11 سبتمبر/أيلول 1975؛ زار قائد العمليات في هيئة الأركان الإسرائيلية آنذاك حاييم بارليف إثيوبيا سرًّا، ووضع ترتيبات للتعاون العسكري بين البلدين، وكان دافع إسرائيل هو السيطرة على البحر الأحمر ومنع تحوُّله إلى بحيرة عربية، خاصة بعد إغلاق مضايق تيران عام 1967 وباب المندب 1973.
ذرائع وفرص
وتقترن أهمية البحر الأحمر عند إسرائيل بأهمية نهر النيل، وهذا يظهر بوضوح في اهتمام إسرائيل بتمتين علاقاتها بإثيوبيا التي تمكنها من الوجود في منطقة البحر الأحمر للسيطرة على منابع النيل الأزرق بإثيوبيا. ومما يعزز الاهتمام الإسرائيلي بإثيوبيا أنها تقود التمرد على اتفاقيتيْ 1929 و1959 لتوزيع مياه النيل، ولأن حوالي 86% من مياه النيل تأتي من مرتفعاتها.
ويتواصل تدخل إسرائيل في أفريقيا تحت ستار ادعائها أن من تساعدهم هم في الأصل يهود، فنجدها تتدخل في نيجيريا وتساعد جماعة "الإيبو" التي تقطن إقليم بيافرا، في مواجهة الإقليم الشمالي المسيطر على السلطة المركزية وأغلبية سكانه من المسلمين. أما أوغندا فكانت أحد ثلاثة بلدان مقترحة لإقامة دولة اليهود (فلسطين والأرجنتين وأوغندا).
وإذا كانت فلسطين اختيرت في النهاية لإقامة "وطن قومي لليهود"؛ فإن ذلك لم يجعل الإسرائيليين ينسون دور أفريقيا الهام في مساندة قضيتهم ضد المسلمين، فعملوا على التمركز في كل من أوغندا وكينيا.
ويعود اهتمام إسرائيل بأوغندا سابقا إلى أنها تستطيع الوقوف أمام التيارات الإسلامية في السودان لمنعها من التمدد جنوباً، واليوم يمكن أن تقوم دولة جنوب السودان بهذا الدور، ولذا قد يقتصر دور أوغندا على محاربة المسلمين داخلها وأهميتها كدولة من دول نهر النيل.
أما الوجود الإسرائيلي في كينيا فيهدف إلى ضرب طوق استخباري يمتد من أديس أبابا إلى نيروبي، وتستطيع إسرائيل عبره إحكام قبضتها على المنطقة وتطويق دول حوض النيل وتهديد أمنها المائي.
إن الوجود الإسرائيلي في أفريقيا جاء نتيجة عدم قدرة الأنظمة العربية على مواجهة النشاط الإسرائيلي في هذه البلدان، بخطط مدروسة وبتنسيق مركز في جميع المجالات وخاصة الأمنية والاقتصادية والعسكرية، وعدم قدرة الدول الأفريقية على فهم المخططات الأميركية والإسرائيلية الحقيقية.
فالغياب العربي مكّن إسرائيل من الولوج والتغلغل في هذه القارة التي تبلغ مساحتها 23% من مساحة العالم، وإنه لمن المؤلم والمحزن أن يصف رؤساء أفارقة إسرائيل بأنها رمز للتقدم والحضارة، وأنها ساعدت في بناء أفريقيا ويجب أخذها نموذجا ومصدر إلهام للدول الأفريقية "إذا أرادت التقدم والنمو"، كما قال مرة الرئيس الكيني.
عبد اللطيف محمد سعيد