الثقافي

صدر قديماً: بنت الشاطئ وتراثنا.. أربعة تنبيهات منسية

على الرفّ

مهمة تلك القضايا الأربع التي أشارت إليها قبل ما يقارب نصف قرن عائشة عبد الرحمن، المعروفة بلقب بنت الشاطئ (1913- 1998)، ولا تزال تحتفظ بأهميتها لسببين، الأول أنها مقاربة تؤكد الامتداد الزمني الغارق في القدم لـالتراث العربي، الذي يتجاوز العمق التقليدي مكاناً وزماناً، ولو وجدت هذه القضية صدى لأغنت الدراسات النقدية العربية، وأخرجتها من آفاقها الضيقة المحشورة بين تراث جاهلي فأموي فعباسي فأندلسي.

والثاني أن ملحوظتها حول الفهم القاصر والمحدود لتراثنا، والتحذير من خطر تغييب ما ترك أسلافنا من ثمار عقولهم في مختلف الفروع المعرفية، مثل الطب والعقاقير والفلسفة والرياضيات والفلك..إلخ، ما زالا ماثلين، والخطر يتجسّد في ما نراه من اختزال لتراثنا كما كان في أيامها، في لغة وبلاغة وأدب وعقيدة إسلامية وشريعة وتاريخ، بل ووصل اختزاله في أيامنا هذه إلى "تراث" غير عقلاني محوره اختراع ذرائع لقتل الإنسان أيا كانت جنسيته وديانته ولون بشرته.

هذا الكتاب لا يعد كتاباً تراثياً كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هو كتاب موضوعه التراث، وزوايا التناول مهمة كما تشير عناوين الفصول، وكما تشير على وجه الخصوص هذه القضايا الأربع التي تجتذب النظر.

القضية الأولى تتمثل في انتباه عائشة عبد الرحمن إلى العمق التاريخي للموروث العربي، حيث تقول: "إذا كانت مهمة التراث الكشف عن جذورنا وعناصر أصالتنا وأسرار ذاتنا، لكي يقدّم الأساس الراسخ لوجودنا الحاضر والمقبل، فيجب أن يتأصل الإدراك بأن تراث الأمة لا يقف عند بداية التاريخ الإسلامي، وإنما يمتدّ مع ماضيها إلى ما قبل ذلك موغلاً في أعماق الزمن. فماضي كل الشعوب التي أسلمت أو تعرّبت هو ماضي هذه الأمة، وكل الحضارات الفكرية والمادية التي ازدهرت في أرض وطننا هي في الواقع التاريخي ميراثنا جميعاً".

وتضيف "من غير الجائز الوقوف بالتراث عند حد زمني أو مكاني يحصره في نصوص الأدب الجاهلي وذخائر علوم العربية والتاريخ الإسلامي، لأن أبعاده تمتد فتستوعب التراث القديم لكل أقطار وطننا على امتداد الزمان والمكان.. فيدخل فيه مثل نصوص البردي المصرية، كما تدخل فيه النصوص التي كشفت عنها الحفريات الأثرية في بابل وآشور واليمن والمغرب العربي الأفريقي، من حيث هي مادة تاريخية لماضي هذه الأمة الواحدة، يأخذ مكانه مع تراثها المشترك منذ العصر الجاهلي، وتراثها الحي من التاريخ الإسلامي، إذ تتماحى الحدود والفواصل، ونلتقي فكراً وروحاً ومزاجاً ولساناً ووجداناً، ونتحد وجوداً ومصيراً".

القضية الثانية التي نبّهت إليها، تتمظهر في شقين، الأول "انشغال الكتاب والنقاد الذين يسيطرون على مراكز التوجيه للوجدان القومي والفكر العام بالبضاعة الحاضرة، وتحرّجهم من الالتفات إلى التراث، معتذرين بأنهم إنما يعيشون يومهم ويعانون مشكلات واقعه، ويغيب فهم أن حاضرنا مشحون بما يحمل من ميراث هذا الماضي الذي تكمن في أعماقه جذور ذواتنا".

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي