الثقافي
كارولين إمكه.. أفكار حول سياسات الحقد
على الرفّ
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 سبتمبر 2017
يصف المفكر السياسي الألماني، يان فيرنر مولر، الشعبوية بأنها "ادعاء التمثيل السياسي الحصري للشعب". لكن ما لم ينتبه إليه الفيلسوف الألماني، هو أن هذا الادعاء لا يشمل السياسة فقط، بل المجتمع والثقافة والدين. بل لنقل بأنه يشمل الحقيقة، ليقصي الآخرين منها، وعبر ذلك من المجتمع، إن لم يقصهم من الإنسانية. إقصاء هو حقد، لكنه حقد يتخذ طابعاً جمعياً.
تبدأ المفكرة الألمانية كارولين إمكه (1967) عملها الأخير "ضد الحقد" (منشورات س. فيشر، 2016) بأسطر من رواية رالف إليسون الشهيرة "الرجل غير المرئي"، يقول فيها بطل الرواية الأسود: "أنا غير مرئي.. وهذه اللامرئية التي أعنيها لها علاقة بخلقة خاصة تميّز عيون أولئك الذين أحتك بهم".
إنهم لا يريدون رؤيته، بل إنهم يرون كل شيء، إلا هو. يحتاج الحقد إلى يقين مطلق، تكتب إمكه، لأن بقاء أي احتمال، من شأنه أن يكون مزعجاً، وسيحرم الحقد من طاقته تلك، التي يتوجّب توجيهها باتجاه واحد، وتتابع بأن شيئاً ما تغيّر في ألمانيا، فقد أصبح التعبير عن الحقد واضحاً وبلا قيود. لكن إمكه لا تتحدث عن حقد فردي، ولا عن إحساس ضبابي، يعبّر عن نفسه خطأ أو لضرورة مزعومة، بل إن هذا الحقد عام ومكوّن بشكل أيديولوجي.
لكن، لماذا لا يريد الرجال البيض رؤية مواطنهم الأسود؟ لماذا لا يقبلون بامرأة محجبة؟ برجل صاحب سحنة عربية أو آسيوية؟ تكتب إمكه: "إن نظرهم ليس ضعيفاً، وليس هناك من سبب فيزيولوجي لذلك البتة، ولكنه موقف داخلي للناظر، ذاك الذي يحجبه ويدفع به إلى الاختفاء. إنه غير موجود بالنسبة للآخرين (...) أن تصبح لامرئياً بالنسبة للآخرين، هو الشكل الوجودي للاحتقار".
"
أن تصبح لامرئياً للآخرين هو الشكل الوجودي للاحتقار
"
تهدف هذه اللامرئية إلى اعتبار اللامرئيين أناساً مجرّدين من الإحساس ولا حاجات لهم، وبالتالي، لا حقوق لهم. وهي الفكرة التي سجلها زيغمونت باومان في نقده لسياسات الهجرة الغربية، مسلطاً الضوء على أبعاد أخرى لقضية اللامرئية هذه، قد تصل إلى نزع الطابع الانساني عن الآخرين.
لهذا تنهي كارولين إمكه كتابها، بفصل يحمل عنواناً معبراً: "مديح اللانقاء"، وتستشهد بما كتبه جان لوك نانسي في "المفرد بصيغة الجمع"، من أن الفردانية لا تتحقق إلا مع ومن أجل الآخرين. إن التعدّد بهذا المعنى، لا يعني فقدان الحرية الفردية أو الجماعية، بل إنه ضامنها الوحيد. في حين أن الأيديولوجية التي ترى أن الاستقرار مرتبط بوجود أمة متناسقة، تجانب الحقيقة، لأن التناسق القومي، يقوم دائماً على إقصاء الآخرين، أو التمييز (العنصري) بين من ينتمي إلى الأمة ومن لا ينتمي أو لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن ينتمي إليها.