الثقافي

"مقالة في الحرية" لـ عزمي بشارة: تفكير بالعربية

على الرفّ

في كتابه "مفهوم الحرية" (1983)، يقدّم المفكر المغربي عبد الله العروي ملاحظة يقول فيها: "لعل كلمة حرية أكثر كلمات القاموس السياسي استعمالاً عند العرب اليوم، حتى الكلمات التي تنافسها في الذيوع كاستقلال وديمقراطية وتنمية تُستعمل في الغالب مرادفة لها". المفارقة أنه بالرغم من هذا الحضور، فإن نفس الكلمة لا تحظى بمعالجة فكرية توازي استعمالاتها في الفضاء الثقافي العربي.

ضمن مشروع تاريخ الأفكار الذي برز في أعمال سابقة مثل "المجتمع المدني" و"الدين والعلمانية في سياق تاريخي"، يأتي كتاب "مقالة في الحرية" للمفكر العربي عزمي بشارة الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات". عمل يحاول الإمساك بـ "الحرية" بأدوات الفلسفة والحفر اللغوي وتاريخ الأفكار في سبيل "فهم تركيبة إشكالية الحرية"، ليصل في الأخير إلى "بعض الأسئلة العمَلية الكبرى" (عنوان الفصل قبل الأخير من العمل) حيث يلامس إشكاليات ملموسة من الحريات السياسية إلى المتغيرات التي تفرضها التكنولوجيا في ممارستها.

رغم أن كتاب "مقالة في الحرية" يقترب من منطقة غير محروثة فكرياً، ما يجعل من الاكتفاء بالجانب النظري قيمة مضافة في حدّ ذاتها، إلا أن المؤلف ينبّه إلى أن "التحدّي الحقيقي يكمن في قدرتنا على مغادرة النقاش الفلسفي عن الحرية والانطلاق إلى مسألة الحريات وشروط تحقيقها في واقع المجتمعات والدول العربية".

وفي موضع آخر من العمل يقول إن "الناس لا يناضلون ويُضحّون من أجل مفهوم علمي، بل من أجل قيمة تحظى في نفوسهم بقدر من التقدير إن لم نقل التقديس"، ولولا ذلك لما كانت ذلك "الموضوع الخطير والمصيري للإنسان والمجتمع".

ينطلق بشارة في الفصل الأوّل من إشكالية استنبات قضية الحرية في العالم العربي منذ عصر النهضة، حيث إن المثقفين العرب واجهوا صعوبات في تبيئتها (حسب عبارة المؤلف)، لكنه لا يكتفي في تفسير ذلك بالقول بردود الفعل السلبية من المجتمعات العربية وإنما يُظهر خللاً في طرح مسألة الحرية وقتها حيث ظلت بضاعة "مستوردة" بسبب انتقائية التعامل معها، وكان أحد وجوه هذه الانتقائية تجاهل تاريخية هذه الأفكار وحذف سياقات تطوّرها في محاولة لتطبيقها جاهزة على تاريخ آخر.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي