الثقافي

"دفاتر الحرب الأهلية": عن البلاد التي لا وقت فيها

على الرفّ

مؤلّفات عديدة قاربت الحرب الأهلية اللبنانية بالبحث والرواية وكتابة المذكّرات والسيرة الذاتية، لكنها تبدو أشبه بشهادات/ اعترافات فردية لأصحابها، بينما الجماعة (الشعب اللبناني) لا تزال تغيّبها عن المناهج الدراسية وكلّ طرف حمل السلاح يحتفي بأبطاله وشهدائه الذين لا تعترف بهم الأطراف الأخرى.

في سلسلة "مذكرات وشهادات"، تستعيد الكاتبة والباحثة اللبنانية دلال البزري في كتابها "دفاتر الحرب الأهلية اللبنانية"، الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فصول خمسة عشر عاماً أو بالأحرى جملة من هوامشها وتفاصيلها الغائبة/المغيَّبة، مشيرة في تقديمها إلى أنه "سوف تجد دائماً سبباً للكتابة عن الحرب... هذه الدفاتر ليست سعيدة كما كانت عليه السنوات التي سبقت الحرب، لكن مأساويتها محدودة، كما كانت الحرب الأهلية اللبنانية محدودة بجغرافيتها، لم تتجاوز الحدود اللبنانية؛ عكس الحرب السورية، ذات القعر اللانهائي، التي أشعلت شظاياها نيراناً كانت هامدة، قريباً منها وبعيداً عنها".

يتضمّن الكتاب 31 فصلاً تبتدئ منذ انقسام بيروت عام 1975 بين "شرقية" تحت السلطة اليمينية و"غربية" تحت السلطة الوطنية اليسارية المساندة للمقاومة الفلسطينية، لتنتقل إلى بداياتها "النضالية"، حيث تروي تجربتها في "منظمة العمل الشيوعي" التي كانت تنتسب إليها، وقناعتتها آنذاك أنهم "سوف ينتصرون على اليمين اللبناني، ويحوّلون بلادهم إلى قاعدة صلبة للانطلاق منها إلى تحرير فلسطين".

تلفت البزري في أحد الفصول إلى أنه لم يكن هناك رفيقات في القيادة، خلافاً لادعاءات قادة التنظيم أمام الصحافة، وامتيازات الرفاق التي لم تُمنح للنساء المتحزّبات من أموال وسيارات ومرافقين، غير أن تفاصيل الحرب وتداعياتها المتلاحقة تهيمن على المشهد الذي لم يمكن ممكناً إخضاعه للمساءلة.

تعرض الكاتبة العديد من القصص التي توثق قصة حصار مخيم تل الزعتر وسقوطه من خلال قصة الرفيق "تلاتْعَش" الذي علق فيه، وخرج منه مع الناجين من المجزرة إلى مخيم شاتيلا، واغتيال كمال جنبلاط وما تركه من تداعيات وآثار على مسار الحرب، وكيف تركت الكاتبة "منظمة العمل الشيوعي" عام 1981 لتواجه الحياة بمفردها، بحسب وصفها.

تختم صاحبة "سنوات السعادة الثورية" كتابها بالإشارة إلى "الحنين إلى الحرب، إلى ما كنتُ عليه من أملٍ وقت الحرب، هو حنينٌ إلى ذلك الشعور الرائع بأنني كنت شابةً، وأنّ الوقت أمامي [...] حتى لو لم يكن الأمر كذلك في الواقع، في أثناء الحرب أو بعد انتهائها. أحلم الآن بالبلاد التي لا وقت فيها. ربّما كانت الجنة كذلك".

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي