الثقافي

"أليس الصبح؟".. بن عاشور وتطلعات النهضة

على الرفّ

في صائفة 1907 القائظة، اختار الشيخ الشاب محمد الطاهر بن عاشور (1879-1973) أن يتفرَّغ لصياغة وصفٍ تحليلي- نقدي لحالة التعليم في العالم الإسلامي، مُنطلقا فيه من وضع الإيالة التونسية، ليشمل سائر المؤسسات التدريسية الكبرى مثل "الأزهر" في القاهرة، و"القرويين" في فاس، وكذلك حوزات العِلم الشرعي في العراق وإيران والهند.

وقد كانت هذه الجامعات العريقة تركز في مقرراتها على العلوم الشرعية واللغوية، وتعيد إنتاج المعارف نفسها، جيلاً بعد جيل. ولذلك عقد المصلح التونسي العزمَ على كتابة تقرير وافٍ عَنْوَنه: "أليس الصبح بقريب؟"، في كِناية بديعة عن الأمل في قرب انبلاج فجر الإصلاح وقدوم أنوار العلم بعد هيمنة الجمود.

وأكَّد أنَّه وضع هذا التأليف "للتفكير في طُرق إصلاح تعليمنا العربي الإسلامي، الذي أشعَرتْني مدةُ مزاولته، مُتعلماً ومعلّماً، بوافر حاجته إلى الإصلاح واسع النطاق، فعقدت عزمي على تحرير كتابٍ في الدعوة إلى ذلك وبَيان أسبابه".

ومن جهة ثانية، كان هذا الكتاب صدىً للحداثة الغربية بعد دخول الاستعمار الفرنسي إلى المشهد العربي عبر حملة نابليون في مصر، واحتلال الجزائر (1831)، وانتصاب "الحماية" في تونس (1881)، والمغرب (1912)، وما تبعه من إنشاء للمدارس والمطابع والاحتكاك الثقافي والتربوي بين حضارتي الإسلام والغَرب، فصار من الصعب الحفاظ على الهيكل التعليمي "السكولاستي" الذي لم يكن ليصمد أمام بداهات العلوم الصحيحة من رياضيات وفيزياء وبيولوجيا.

وإلى ذلك، يضمُّ كتاب "أليس الصبح بقريبٍ؟" مجموعة من الوثائق التاريخية النادرة، التي تتعلق بالمؤسسات التعليمية في تونس خلال الدولة الحفصية (1705-1956)، ومنها نصوص الخُطب التي ألقاها الشيخ سالم بوحاجب (1827-1924) يوم افتتاح جمعية "الخلدونية" (يوم السبت 15 أيار/ مايو 1897)، وتلخيص لخطبة الشيخ محمد عبده (1849-1905)، التي ألقاها في مقر جمعية "الخلدونية" أثناء زيارته إلى تونس سنة 1902، وكذا بيانات الوزراء وأصحاب القَلم الهادفة جميعها إلى إصلاح التعليم في نهايات القرن التاسع عشر.

كما يحتوي هذا الكتاب على قسم "أبستيمولوجي" محضٍ - لا يصرّح باسمه - خصّصه الشيخ ابن عاشور لاستعادة تاريخ العلوم الدينية والدنيوية مثل: علم التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والكلام، والعلوم اللغوية، والمنطق، والتاريخ، إلى جانب العلوم الفلسفية والرياضية... وقد استقصى فيه ظروف نشأتها، ومراحل تطوّرها ووظائفها في إيجاز وتركيزٍ شديديْن.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي