الثقافي

"تاريخ فرنسا العالمي": في مختبر بوشرون ورفاقه

على الرفّ

"لن يكون من المبالغة في شيء، أن يستعين المرء بـتاريخ العالم كي يستطيع تفسير فرنسا". إذا كان باتريك بوشرون، والمؤرخون المشتركون معه في تأليف "تاريخ فرنسا العالمي" (منشورات "سوي")، يصدّرون عملهم الضخم بجملة ميشليه هذه، فإن نيّتهم، أو الخلفية التي تقودهم إلى هذا القول، تختلفان بكلّ تأكيد عن نيّة وخلفية مؤرّخ فرنسا وثورتها.

يكتب ميشليه جملته هذه في تمهيده لـ"مدخل إلى التاريخ الكوني" (1831) وهو مقتنع، كما يبدو، بأن وطنه "المجيد بات الآن قبطان سفينة الإنسانية". كان يمكن له، كما يقول في التمهيد ذاته، أن يعنون كتابه: "مدخل إلى تاريخ فرنسا"، دون أن يؤثّر ذلك على محتواه. إذ إن الكتاب، ومن قبله التاريخ، يُفضيان بالضرورة إلى فرنسا. وليس المرور بالعالميّ والكونيّ، في هذه الحال، إلا ضرورة سرد وتسلسل زمنيّ، وخطوةً شكليّة على طريق مَن يسعى إلى تأليف أسطورة فرنسا القومية؛ فرنسا الكائنة بذاتها، حاملة لواء التاريخ والحضارة.

بالنسبة إلى بوشرون، أستاذ التاريخ في "كوليج دو فرانس" ومحرّر الكتاب، والمؤرّخين المشتغلين معه، لم يعد من الممكن، اليوم، التورّط بالنظر إلى الأشياء من هذا المنظور. إنهم، كمؤرّخين، يفهمون قبل غيرهم أن كلام ميشليه ابن زمنه، بل وربما أكثر تبصّراً وأقلّ تهوّراً وانغلاقاً من جلّ معاصريه. ولعل من هذا الفهم يتأتى تصديرهم كتابهم، ذا الطرح المناقض لمقولة ميشليه كما كان هو يفهمها، بالمقولة نفسها. فهم يصرّون على استلهام مسعاه التأريخي المجدِّد، وعلى أن مقولته ما زالت وستبقى صالحةً في اثنين من معانيها على الأقل.

لن يروق للأخرين، بلا شك، أن يجري الحديث، في الكتاب نفسه، عن الأنوار الفرنسية وعن التجارب النووية الفرنسية في صحراء رقان الجزائرية؛ عن الثورة الفرنسية وعن ثورة أهل مستعمرة سان دومينغو، التي ستعرف لاحقاً باسم هاييتي، ضد استعبادهم من قبل السلطات الفرنسية. لعلّ من ميزات "تاريخ فرنسا العالمي" أنه يعيد فتح صفحات التاريخ الفرنسي، جميلها وقبيحها، ويقدّمها لجمهور واسع عوّدته المدرسة ووسائل الإعلام وكتب المثقفين الشعبويين على معرفة جزء مقتطع ومركزيّ من تاريخ بلده.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي