دولي
يخربون بيوتهم بأيديهم
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 04 أوت 2017
هذه العبارة القرآنية الكريمة جزء من الآية الثانية من سورة الحشر. وهي تتحدّث عن فريق من يهود المدينة المنوّرة، الذين وادعهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم غداة مهاجره من مكة إلى المدينة، وحفظ لهم حقوق المواطنة بموجب وثيقة المدينة، التي يعدّها كثير من الباحثين أوّل دستور مكتوب ينظّم العلاقة بين مكوّنات المجتمع المدني، غير أنّ ما جبلت عليه نفوسهم من نقض للعهد، وغدر وخيانة تسبّب في إجلائهم من ديارهم، تمهيدا لتطهير جزيرة العرب منهم بعد ذلك في زمن الخليفة الراشد عمر بن خطاب رضى الله عنه.
أمّا الواقعة الاخرى التي تصرّف فيها نتنياهو كمراهق سياسي عابث، يتواصل مع الحارس القاتل، ويطمئنه على عدم محاكمته، وعودته إلى صديقته سالما، وبمتابعة خطّ سير عودته، ومهاتفته ومداعبته، ومن ثمّ استقباله استقبال الأبطال، باعتباره يمثّل سياسة الدولة، فقد أحدث هزّة شديدة لدى الأردنيين و(الإسرائيليين) على حدّ سواء.
ولمّا كانت هذه الصفات جزءا من جبلّتهم، يرضعونها لأبنائهم جيلا بعد جيل، فيشبّون عليها، فإنّهم يمارسونها اليوم على أرض فلسطين، وحيثما حلّوا، دون أن يستوعبوا دروس التاريخ برغم ما عرف عنهم من ذكاء.
وفي هذا السياق نفهم سياسة نتنياهو واليمين المتطرف اليوم، التي نقتطف منها واقعتين: أولاهما استخفافه بمشاعر أكثر من مليار ونصف مليار من المسلمين، بإغلاق بوّابات المسجد الاقصى، وإلجاء المصلين إلى الصلاة في العراء، ومن ثمّ محاولة إقامة بوّابات الكترونية تضبط حركة الداخلين والخارجين، مع كلّ ما يعنيه ذلك من محاولة تكريس السيادة (الاسرائيلية) على المسجد، والتّحكّم بعملية الدخول والخروج، ومحاولة إذلال المسلمين، فضلا عن إعاقة وصولهم الى المسجد، وإضاعة فرصة الصلاة عليهم، للحدّ من الأعداد الغفيرة التي تؤمّ المسجد، والتي باتت تؤرّقهم. وثانيتهما الوقاحة التي مارسها نتنياهو حيال إقدام حارس سفارته في عمّان على ارتكاب جريمة منكرة، راح ضحيتها مواطنان أردنيان، فماذا كانت النتيجة؟.
لقد تسبّب إغلاق المسجد الاقصى، ووقف الأذان فيه، ومنع الصلاة، ومحاولة إقامة بوّابات الكترونية بصدمة عنيفة هزّت كلّ العرب والمسلمين، فاستنفر الشعب الفلسطيني قواه لمواجهة هذه السياسة المتغطرسة، وتُوّجت جهوده بإفشال ما خطّط له نتنياهو، وعُدّ ذلك نصرا للمرابطين والمرابطات تحدّثت به الركبان، كما تحرّكت الجماهير العربية والإسلامية فملأت المظاهرات والمهرجانات الساحات والطرقات، انتصارا للأقصى والقدس، وتنديدا بإجراءات الصهاينة، وتحريضا عليهم، ومطالبة بإلغاء المعاهدات معهم، والتصدي للتطبيع معهم، ما أحرج الدول التي تقيم علاقات طبيعية معهم، وتلك التي يسعى قادتها إلى البقاء على عروشهم، وتوريثها للأبناء والأحفاد، الذين رأوا في تل أبيب جواز السفر المطلوب لذلك، وأعطى دفعة أمل للمصدومين من الانقلاب على ثورات الربيع العربي، فراحوا يتحدّثون عن انتصار المرابطين والمرابطات كشاهد على بداية التّحوّل، واستعادة الشعوب زمام المبادرة.
إنّ هذه السياسة الصهيونية التي تمثّل العلوّ الذي تحدّثت عنه سورة الإسراء (لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلنّ علوا كبيرا) هي التي تفتح الباب واسعا لتحقيق وعد الله عز وجل بتقويض الاحتلال، وتطهير الأرض من رجس بني صهيون، وتحقيق وعد الله الذي لا يتخلّف
أمّا الواقعة الأخرى التي تصرّف فيها نتنياهو كمراهق سياسي عابث، يتواصل مع الحارس القاتل، ويطمئنه على عدم محاكمته، وعودته إلى صديقته سالما، وبمتابعة خطّ سير عودته، ومهاتفته ومداعبته، ومن ثمّ استقباله استقبال الأبطال، باعتباره يمثّل سياسة الدولة، فقد أحدث هزّة شديدة لدى الأردنيين و(الإسرائيليين) على حدّ سواء.
فقد فجّر مخزون الغضب لدى الأردنيين، ورفع سقف خطابهم ومطالبهم إلى مديات ظنّ الكثيرون أنّها أصبحت من الماضي، ما أحرج القيادة السياسية، وأتاح الفرصة للعودة إلى الشارع من جديد، وتعالي الصيحات المطالبة بالانتقام.
وفي الوقت ذاته رفع من درجة المعارضة داخل المعسكر الصهيوني، الذي رأى في هذه التّصرّفات الرعناء تهديدا للكيان، وتضييعا للفرص التي لاحت مع حالة الهوان العربي، والتي بلغت ذروتها مع اشتداد الحملة على "الإرهاب"، ووصول ترمب للحكم، ورواج سوق السمسرة العربية.
إنّ هذه السياسة الصهيونية التي تمثّل العلوّ الذي تحدّثت عنه سورة الإسراء (لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلنّ علوا كبيرا) هي التي تفتح الباب واسعا لتحقيق وعد الله عز وجل بتقويض الاحتلال، وتطهير الأرض من رجس بني صهيون، وتحقيق وعد الله الذي لا يتخلّف (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا). وبهذه السياسة المتغطرسة يجرّ قادة الكيان الويلات على شعبهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم.
حمزة منصور