الثقافي

"الحداثة الخجولة": أرسطو وشرّاحه.. الحوار مستمر

على الرفّ

 

 

في كتاب "الحداثة الخجولة"، يعيد الكبسي استكشاف المفاهيم السياسية في التراث الأرسطي، مُخرجاً إياها من الصورة المتعارف عليها، والتي تقترن بالتجريد المنطقي والتأمل النظري، وذلك من خلال التركيز على "رسالة السياسة" المَنسوبة إلى الفيلسوف اليوناني، فيؤكد الكاتب هذه النسبة، ثمَّ يتجوّل، في الفصول الموالية، عبر نصوص الشراح والمعلّقين من الفلاسفة العرب المسلمين، واختار أربعةً منهم وهم: ابن سينا وابن الهيثم من المشرق، وابن رشد وابن خلدون من المغرب.

أظهر الباحث التونسي أنَّ مفاهيم مثل :الدولة والمُلك والإمارة والعصبية والتدبير والتعقل، وهي التي تشكّل سدى المصطلح السياسي العربي الحديث ولُحمتَه، إنما تشكّلت، أوَّل ما تشكّلت، من تلاقي تعاليم أرسطو، "المُعلّم الأول"، وما شَيَّده عليها الفلاسفة العرب من إضافات وتنقيحات وشروحٍ وإصلاحاتٍ، اغتنت من سجلاتهم العربية الإسلامية، بما فيها من مشارب الفقه ومنازع التصوّف والإشراق.

وهكذا كان البحث بفصوله الأربعة قراءةً في الحوار الفلسفي بين أرسطو وشرّاحه من المسلمين: سعى ابن سينا أن يقرأه قراءَة الندِّ للندِّ، وانتقد ابن الهيثم نظريّته في الحركة الكونية وانتظام كواكب العالم، وأما فيلسوفا الغَرْب الإسلامي، ابن رشد وابن خلدون، فقد شَكَّكا في تجانس هذا التصوّر الأرسطي، وخلخلا صفاءه عبر مفاهيم التجريب العلمي والعُمران البشري.

الأولى: هي التأكيد على وجود عناصر رائدة للحداثة السياسية، في كتب التراث الفلسفي العربي، وهي حداثة "حوارية تسامحية تنوعيّة"، تقطع مع حداثة البناء الإمبراطوري الكَوني الراهنة، والقائمة فقط على الصراع الذي يُغيّب الفرد ويقصيه ضمن الهيمنة المالية. فكل ما كتبه ابن سينا في "الشفا" و"الإلهيات"، والفارابي في "المدينة الفاضلة" مشرقاً، وما صاغه ابن الهيثم وابن خلدون مغرباً – تشكل كلها بدايات نظام سياسي تعاقدي، لا يطغى فيه المَلِكُ العاقل على رعيته، وتعمل الرعيّة تحت إمرته لتحقيق الكمال التعاقدي.

الثانية: ضرورة تَحيين المعاني الفلسفية الوسيطة وربطها بالمصطلح السياسي العربي الحديث، عبر التدخل في صياغة مَضامينه وربطها بالمفاهيم المركزيّة مثل: الدولة، المُلك، الإمارة، المجتمع والعصبية، وكذلك بذاكرتها الفلسفية أي: بحضورها ضمن أنساق ما ورائية وأخلاقية تأمليَّة، وهو ما من شأنه أن يغنيَ الخطاب العربي ويضيف إلى مفرداته طبقة دلالية عقلانية، تتأتى من سُمكها المفهومي، وهذا كفيلٌ بأن يدعمَ تأثيل الكلمات (والعبارة للمُعجمي التونسي إبراهيم بن مراد) أي تأكيد انتمائها إلى نسق فلسفي أصيل، تَوَلَّد من خلال مقارعة المتن الأرسطي بالتأويل الإسلامي على اختلاف مشاربه ونزعاته.

الوكالات

 

من نفس القسم الثقافي