الثقافي

الفاست فود أهم من الكتاب في الجزائر !!

ملاحظات عن الصالون الدولي للكتاب في طبعته المتقشفة

لا شك أن الصالون الدولي للكتاب هو أحد أهم المواعيد الثقافية الذي تعرفه الجزائر كل سنة، بما يشهده من زخم كبير وتوافد الزوار وحضور العديد من الناشرين من هنا وهناك لعرض إصداراتهم المختلفة.. وسواء اختلفنا في إعطاء هذا الموعد أهميته ونجاحاته إلا أن هناك ما يجعلنا نضع العديد من علامات الاستفهام حوله بعد أكثر من طبعة.. فهل فعلا وصل المعرض إلى مستوى من الاحترافية تجعلنا نفخر به كمفصل هام يمكنه أن يكون حدثا ثقافيا بمقاييس عالية؟.

أول ما يمكن ملاحظته على العديد من الطبعات التي مرت هو افتقاره إلى رؤية استراتيجية مبنية على خطط محكمة تضمن أن لا يتحول هذا الحدث إلى "بازار" يباع فيه كل شيء بما في ذلك الكتب، وهو الحاصل في كل الطبعات التي أقيمت، رغم تأكيد وحرص محافظيه الذين مروا على إدارته أن لا يتحول إلى سوق كبيرة.. والحديث البارز على لسان محافظيه هو التباهي بعدد الزوار دون إبراز كيف تم احتساب هذا العدد، إلا إذا كان هؤلاء يعتمدون على العين المجردة؟.. ثم هل العدد - على فرض أنه حقيقي -، هل هؤلاء الزوار يأتون من أجل الكتاب أو من أجل حضور الأنشطة أو من أجل التسلي والتنزه وتضييع الوقت في التجوال؟.. وهل الفاست فود المنتشرة في مساحات السفاكس أهم من الكتاب؟.

 

طبعة 2016.. مصر ضيف شرف.. الصعايدة وصلوا

في كل طبعة يتم اختيار ضيف شرف يكون على عاتقه تنظيم نشاط مرافق لحضور ناشريه.. ولكن السؤال الذي دوما يطرح هو كيف يتم اختيار الضيف وعلى أي أساس؟.. من الذي يختار؟.. لا معلومة.. الكل يتذكر الضجة الهادئة التي تزامنت والكشف عن أن فرنسا هي ضيف شرف الطبعة الماضية رغم ما تردد بقوة أن الضيف الذي كان سيحل على تلك الطبعة هي تونس ودولة أخرى، ولكن في الأخير تم تغيير كل شيء في لمح البصر بعد تدخل جهات عليا وفرض فرنسا ضيف شرف كرد على استضافة الصالون الولايات المتحدة الأمريكية ضيفا في طبعة سابقة.. وهنا تلعب المصالح دورها في التحديد والتغيير.. وهو ما يؤكد أن المحافظة هي واجهة لا تؤدي أي دور سوى في التنظيم والتنسيق والدفع.. وهو ما حدث مع هذه الطبعة حيث فرض الوزير الشاعر مصر كضيف شرف، وطويلو اللسان يقولون أن هذا الأخير ما كان له أن يستضيف مصر سوى لاستمالتها لدعم ترشيحه كسفير في الجامعة العربية بعد خروجه المنتظر من الحكومة بعد التشريعيات.

ثم للنظر ماذا قدمت مصر في هذا المعرض؟.. نشاط باهت جدا حيث تحولت المنصة التي يقام فيها نشاطهم إلى ساحة يومية للغناء يقوم فيه مؤدي بغناء أزجال مصرية لا تعني الجزائر ولا الثقافة الجزائرية في شيء.. كما عرضت أفلام أقل ما يقال عنها أنها جاءت لملء فراغ في الأنشطة المصرية كعرض فيلم صلاح الدين الأيوبي، وهو فيلم من قوة تكراره على الشاشات أصبح مملا وبدون طعم، ووصل الحد بإحدى الشخصيات الأجنبية، وهو سفير إحدى الدول، إلى التعليق على الضجيج المصاحب لهذه الأنشطة بالقول هل يحضر صالون للكتاب أو مهرجان غنائي فولكلوري؟.. بل قال أحد الكتاب لقد وصل "الصعايدة" إشارة منه إلى المسرحية المصرية الشهيرة "الصعايدة وصلوا" التي قام ببطولتها الفنان أحمد بدير... حقيقة لما ننظر إلى النشاط نشعر بأن ضيفنا استخف بعقولنا ببرنامج أقل ما يقال عنه أنه مرتجل وغير معبر عن الثقافة الحقيقية التي يعرفها الجميع عن مصر.. حتى الضيوف الذين حضروا قلة من يعرفهم وبالكاد قدموا شيئا ذا بال.. حتى لما تسأل محافظ الصالون - المغلوب على أمره - عنهم والذي من المفترض أن يكون ذا دراية واسعة بالثقافة والوجوه وما يحدث في العالم من تحولات معرفية بارزة، لا يكاد يعرف جوابا إلا الغرق في عموميات بالية.

هذه كارثة الثقافة الجزائرية التي أوكل له أناس لا علاقة لهم بتاتا بالميدان، ومع ذلك يستمر هؤلاء في مناصبهم لأسباب واهية لم تعد تصمد أمام النقد والفضائح التي بدأت تخرج من هنا وهناك، ولا شيء يحرك الجهات الوصية لتدارك الأمر، بل تزكي الأمر ببساطة نادرة ومضحكة رغم الخطابات التي تؤكد على ضرورة تحسين صورتنا وتلميعها.. وليس أدل على ذلك سوى هذه الطبعة التي لم تخرج عن واقع الارتجال والرداءة، لأنك عندما تسأل أيا كان عن أهمية الصالون في كل جوانبه لا تجد جوابا يسر، اللهم إلا من ناحية الربح السريع للناشرين وفي أحسن الأحوال اللقاءات - الصدفة التي تتم على الهامش بين الأصدقاء الكتاب والمثقفين والباحثين في المطاعم المفتوحة.. فهل من المعقول بعد كل هذه الخبرة التي اكتسبها هؤلاء في التنظيم تحدثوا عن عدم ضبط البرنامج النهائي للأنشطة ولا يعرف تفاصيله إلا ساعات قليلة قبل انطلاق الصالون.. والأدهى - ونحن نقولها بمرارة -، أن هؤلاء من الوزير إلى المحافظ يعرفون جيدا كيف تدار الأمور في دول أخرى وفي معارض دولية كبرى؟ وكيف تحترم المواعيد؟ وحيث العمل المخطط النافذ في البحث عن الأفضل والأحسن والأجود، والاستثمار الواعي في الوجوه النوعية التي تجلب الجمهور وتحقق ما هو مطلوب منها في التوعية والنقاش والحوار المثمر، فعندنا ما زالت الوجوه تتكرر حتى تكلست واهترأت، ووجوه لا تُعرف تأتي وتذهب دون أن نعرف لماذا أتت؟ ولماذا حضرت؟ وماذا نفعل بها؟

 

محنة الثقافة الجزائرية.. هل من مخرج؟

لا نعزو ما كتبناه سالفا إلى تكسير الجهود ولا لتثبيط الهمم، بل نكتب وفي النفس شيء من الأسف والخجل والاحتقان الذي نشعر به كلما جاءت مواعيد كبرى ولا نعرف كيف نستعد لها رغم الإمكانيات المتوفرة.. ونحن نعتقد أن ما كان للثقافة الجزائرية أن تصل إلى هذا المستوى من الخمول والسكون لو كانت هناك رؤية واضحة للأمور.. لو كانت هناك إرادة حقيقية للتغير ليس في الأشخاص فقط بل في الأفكار وقراءة المستقبل قراءة عميقة.. هذا المستقبل الذي لا يمكن الذهاب إليه بنماذج لم تعد تقدم أي شيء.. خلت من الخيال والابتكار والإبداع.. نماذج كمحافظ الصالون أو مدراء آخرين لمؤسسات ثقافية كمدير الديوان الوطني للثقافة والإعلام - والذي قيل حتى الإله لا يمكن أن يزعزعه -.. لا يمكن أن نتفوق على المستقبل بهؤلاء - فلنشكر لهم الجهد والتعب -.. ما وقع للثقافة الجزائرية خلال كل هذه السنوات رغم المحاسن لم يجعلنا أكثر الشعوب قراءة أو إبداعا أو خلقا.. وخطاب التقشف الذي يجول ويصول على لسان الوزير الشاعر بمناسبة وغير مناسبة وكأنه الوحيد المعني به، لا يجعلنا نطمئن على مستقبل الثقافة ولواحقها مع هؤلاء الذين لم يفكروا على طول تربعهم على هذه المؤسسات وفي هذه اللحظة المفصلية التي تمر بها الجزائر، في مخارج تجنبهم الوقوع في مطبّات الإفلاس والاكتفاء بما تجود عليهم خزائن الدولة.. ولكن بالتجربة نعرف أن بنية عقولهم الجامدة والمستكينة غير قادرة على التحرر والانفلات وأخذ زمام المبادرة والاندفاع بقوة نحو رحاب أوسع، والنقص الواضح في اقتراح حلول عملية ناجعة تضمن الاستمرار والتواصل.. وهي أشياء بعيدة كل البعد عن مجالات تفكيرهم هذا إذا كانوا أصلا يمتلكون أصول فكر خلاق متحرك يتأقلم مع كل وضعية وحالة.

حياة سرتاح

 

من نفس القسم الثقافي