الوطن

عوامل قوة مهدرة... وأدوار لازالت مغيبة

بعد النجاحات والانتكاسات المسجلة للدبلوماسية الجزائرية



في ذكرى اليوم الوطني للدبلوماسية الجزائرية يعود الحديث دوما إلى أين وصلت الجزائر في تحقيق حضورها المناسب لتاريخ البلاد وعناصر القوة الكثيرة التي تتميز بها ابتداء من الموقع الجيوستراتيجي بين البحر المتوسط شمالا ومنطقة الساحل جنوبا، تمثل بوابة إفريقيا، كما تحوي الجزائر على موارد طاقوية حيوية واحتياطي نقدي لازال مهما رغم خطورة الوضع المالي، إضافة إلى القوة العسكرية والأمنية المنضبطة والتي اكتسبت خبرة في إدارة مكافحة الإرهاب في العالم وكل المجموعات الدولية تعطي الأولوية للقضايا المتعلقة بالإرهاب والأمن الدولي ونزع السلاح وإشكالية التنمية وحماية البيئة وحوار الحضارات.
استفادت الجزائر من أزمتها في المأساة الوطنية ووظفت رصيد تجربتها في التعامل مع الإرهاب على جميع المستويات وكان أهم محور في الاستفادة في تفعيل ديبلوماسياتنا بأدوار متقدمة في مكافحة الإرهاب واستطاعت أن تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر ورسخت وجودها في التوجهات الدولية وخاصة في الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، وهو اتجاه ومدرسة جديدة قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وقد استطاعت أن تؤثر في رؤية هذه الإيديولوجية الجديدة من خلال مقاربة جزائرية اعتمدت فيما بعد ممثلة في تجريم دفع الفدية، وربط الإرهاب بالجرائم المنظمة، وهو ما أعطاها قوة اندماج وتعاون مع واشنطن، لندن وترجمت رؤيتها في منتديات 5 زائد 5 والحوار الأطلسي المتوسطي، واعتبارها شريكا فعالا ووسيطا بين القوى الكبرى ودول الساحل. لكن يبقى الغموض قائما فيما يتعلق بتوظيف الإرهاب من قبل بعض القوى الكبرى للسيطرة على الموارد الحيوية من بحر قزوين والخليج إلى منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي الذي لا زالت الجزائر تتخبط في أي دور يمكن أن تلعبه في ظل غياب رؤية الاستفادة وتحقيق المصالح الاقتصادية واستثمار الثروات عند الغير.
الدبلوماسية الجزائرية اعتمدت في مختلف الفترات على مبادئ وأسس أهمها احترام سيادة الدول والتفريق بين الدولة والأنظمة أحيانا ورفض التدخل في الشؤون الداخلية والجنوح للحلول السلمية بدلا من الحلول العسكرية. وتبني قضايا الشعوب في التحرر كما رافعت لصالح قارة إفريقية قوية تحل مشاكلها بنفسها وتسعى لافتكاك عضوية بمجلس الأمن وهو نفس الاتجاه الذي تعمل به في الجامعة العربية المترهلة وغير الراغبة في تبني هموم الشعوب العربية.
ولكن بالنظر إلى الرصيد الثوري والعلاقات وكل ما سبق ذكره لازالت الدبلوماسية الجزائرية بعيدة عن تطلعات الشعب الجزائري والشعوب التي تراهن على أدوار متقدمة لأسباب كثيرة أهمها استمرار أزمة الشرعية في البلاد وعدم تبني مسار انتقال ديمقراطي حقيقي يجنب البلاد كل أنواع الضغوط التي تتعرض إليها الأنظمة غير الديمقراطية.
ولعل الضربات التي توجه من حين لآخر للدبلوماسية الجزائرية دليل على هذا المعنى فكل المبادرات الجزائرية لازالت تراوح مكانه سواء في مالي أو غيرها رغم أن المجتمع الدولي يخطف المقاربة ويحققها بآليات أخرى وربما أحيانا لتحديد هامش المناورة الجزائرية على غرار الملف الليبي الذي انتقل في محطاته الأخيرة والأكثر تأثيرا إلى الصخيرات بالمغرب الشقيق، وربما كانت بعض الضربات مثل ما حدث مع موريتانيا الشقيقة في قضية طرد الدبلوماسي الجزائري خير دليل على ذلك.
إن ثقل الدبلوماسية يكمن في مدى القدرة على الاستفادة من كل نقاط القوة وخاصة في هذه المرحلة وجود قوة عسكرية منضبطة وأمنية متمرسة في مكافحة الإرهاب، وهذا لن يكون إلا بالانسجام الوطني في القرار الوطني والتعاطي بسيادة حقيقية مع باقي القوى الدولية، كما أنه مطلوب أكثر تفعيل الدبلوماسية الشعبية وتحديد المشروع الوطني المتفق عليه وفق تراثنا وثوابتنا وهويتنا وهو ما يدفع بعض الدول الشقيقة للتمدد عكس ما نفعله نحن، فالمغرب الشقيق ووفق خلفية إمارة المؤمنين يحمل الإسلام لإفريقيا ويرغب في التوسع والهيمنة على الجوانب الروحية، في الوقت الذي تتنصل فيه نخبنا الدبلوماسية من موضوع الإسلام متوجسة من مخاطر محتملة على حساب مكاسب مؤمّنة ومضمونة سواء في إفريقيا أو حتى في الدول الأوروبية وخاصة فرنسا.
إن استمرار تعثر بناء اتحاد المغرب العربي مسؤولية جماعية تتحملها دبلوماسيات البلدان وبحكم الكبر والحجم وكون الجزائر الأخ الأكبر فالمسؤولية تكون أكبر بكثير في تعطل هذا المشروع الاستراتيجي الذي يمكن أن يحقق نقلة نوعية لشعوب المنطقة في جميع المجالات بالنظر إلى إمكانيات التكامل القائم بينهم.
ثم إن الجهد الجزائري في إفريقيا لم يستثمر بشكل كبير بالنظر إلى الإعانات التي تقدمها الجزائر والتي لا تكتسي بعدا تنمويا حقيقيا يمكنها من الاستمرار من جهة وأن تربط الشعوب الإفريقية بمشاريع تمكنها من التواصل الدائم بمنطق المصالح المتبادلة.
إن الدور الجزائري في القضية الفلسطينية رغم ثباته إلا أنه أقل بكثير من تطلعات الشعب الجزائري ولازال الموقف يخضع إلى التوازنات العربية والغربية رغم الانفتاح النسبي المسجل في التعامل مع القوى الفلسطينية.
إن التوزان المطلوب في الانفتاح على الشراكة الدولية توّجه توّقف منذ مرض الرئيس الذي أثر بشكل كبير على أداء الدبلوماسية الجزائرية حتى وإن سوّق غير ذلك، فالدول تتعامل مع الرؤساء وتنتظر زياراتهم وزيارات الدولة لها تأثير أكبر وأعمق من زيارات المسؤولين الآخرين وهي إشكالية تعاني منها الدبلوماسية الجزائرية.
إن الاحتفال بذكرى اليوم الوطني للدبلوماسية الجزائرية فرصة لتقييم وإعادة بعث الأدوار الأولى لها في المنطقة والاستفادة من الدبلوماسية الشعبية التي تتمتع بها بعض القوى السياسية على قلتها وتشجيع المبادرة بما يدعم قوة الدولة، وخاصة أمام التحولات التي يعرفها العالم والثورة المعلوماتية التي أبعدت المخاوف الأمنية السابقة والاختراقات التي أصبح لها مجالات أوسع من أن تختصر في علاقة دولية فردية أو جماعية.
سليمان شنين

من نفس القسم الوطن