الوطن

الدبلوماسية الجزائرية في مواجهة التحالفات العربية والدولية

الحوار المالي، الليبي، فلسطين، الصحراء الغربية، والحرب على اليمن وسوريا




من إدارتها للحوار بين أطراف الأزمة في مالي وتمكنها من إنهاء المفاوضات بالتوقيع على اتفاق سلام، إلى المساهمة رفقة الأمم المتحدة في استقبال الفرقاء الليبيين ومحاولات إقناعهم بضرورة حل الأزمة بطريقة سلمية بعيدة عن أي تدخل عسكري، إلى مواقفها بخصوص الأزمة السورية واليمنية والتدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن بقيادة سعودية، ظلت الدبلوماسية الجزائرية ترافع في كل محفل دولي، عربي وإقليمي، لصالح الحلول السلمية السياسية للأزمات والنزعات الدائرة هنا وهناك، لكن لا يبدو أن كل المواقف الجزائرية أتت أكلها، خاصة في ملفات كالقوة العربية المشتركة، وملف ليبيا الذي دخل فيه أكثر من طرف، وعديد الملفات والقضايا، فكيف حال الدبلوماسية الجزائرية اليوم والمنطقة العربية والمغاربية تشتعل في اليمن، سوريا، العراق وليبيا؟ وهل ستتمكن من لعب دور فعال مستقبلا؟
ككل مرة تحل مناسبة اليوم الوطني للدبلوماسية الجزائرية المصادف للثامن من أكتوبر، يعود الحديث في الجزائر عن نجاحات وإخفاقات الدبلوماسية الجزائرية في إدارة ملفات عربية، إقليمية ودولية، فالأزمة في شمال مالي كانت لأكثر من عام ملفا شائكا أولته الخارجية الجزائرية حيزا مهما ضمن أجنداتها، وبرغم توقيع اتفاق السلام بين الأطراف المالية المتحاورة من حكومة وحركات مسلحة طوارقية، إلا أن تطبيق "وثيقة الجزائر" كما تسمى لا تزال تعرف صعوبات، أهمها خرق بعض الحركات المسلحة للهدنة والاشتباكات والاعتداءات التي ما فتئت تحدث من حين لآخر بين قبائل موالية للحكومة وأخرى معارضة لها، ومعروف حسب بعض الأوساط المتابعة للملف المالي، أن أطرافا خارجية تحاول تعفين الوضع في مالي وتفويت الفرصة على الجزائر للنجاح في حل الأزمة سياسيا، ولعل هذا العائق هو الذي جعل بعض الأطراف تصف جهود الدبلوماسية الجزائرية في مالي بالفاشلة، أهمها المغرب وهي طرف ظل يحاول مرارا إيجادا مدخل للعب دور في حل الأزمة وأخذ زمام المبادرة من الجزائر.

الدبلوماسية الجزائرية والملف الليبي

برغم عدم حسم الموقف نهائيا بإعلان حكومة وفاق وطني، إلا أن آلة الدبلوماسية الجزائرية استطاعت في وقت مبكر أن تحشد الدعم الدولي لمسعاها في حل الأزمة الليبية سياسيا وإجراء حوار سياسي بين الفرقاء الليبيين برعاية أممية، وهي بذلك حسب متابعين للشأن الليبي، نجحت في قطع الطريق على بعض الأطراف العربية الأجنبية التي كانت ترافع لصالح عملية عسكرية تنهي الأزمة في ليبيا، ويمكن احتساب ذلك نجاحا برغم دخول مصر وتونس والمغرب على الخط، فكل هذه الأطراف تحاول لعب دور وتقزيم دور الجزائر في نجاح الحوار وحدها، فالمغرب استقبلت البرلمانيين، ومصر حوار القبائل، وتونس استقبلت المرأة الليبية، أما الجزائر فكان لها استقبال الأحزاب السياسية، وهو اقتسام وتدوير تهدف الأمم المتحدة من خلاله تخفيف الضغط على بلد واحد، لكن برغم ذلك، وجدت الدبلوماسية الجزائرية معوقات أخرى، وهي محاولات بعض الأطراف الأجنبية إذكاء الصراع المسلح سيد الموقف في ليبيا ويتجسد ذلك من خلال دعم عسكري لطرف وتصاعد أصوات من داخل ليبيا لتسليح الجيش، وهو ما أزعج الجزائر التي ترفض أي تسليح للجيش دون إنجاح الحوار وعودة المؤسسات الشرعية إلى ليبيا، لكن أكبر عائق لجهود الجزائر الدبلوماسية في ليبيا هو وجود تنظيم داعش في المنطقة وتهديده لعملية السلام التي ترافع من أجلها أمميا.

الجزائر والقضايا العربية

ليست ليبيا فقط من اشتعلت عقب ما عرف بالربيع العربي، فسوريا واليمن ومصر كانت أيضا ساحات لما سمي بالثورات، وكانت مواقف الجزائر مختلفة من التزام الصمت ووصف الأمر بالشأن الداخلي وتحذيرها من تعفن الأوضاع في هذه البلدان، وهو ما حصل فعلا في ليبيا وسوريا، حيث اتجهت المعارضة في هاتين الدولتين إلى السلاح، والنتيجة حرب أهلية، وبرغم وصف مواقفها الحيادية بالسلبية ازاء "ثورات الربيع العربي" إلا أنها لم تتراجع عن ذلك، وبقيت تحذر من دخول المنطقة في وضع أمني متعفن، وهو ما وقع فعلا وحاليا يحارب العالم ما يسمى "داعش" في كل من سوريا والعراق، وقد يحدث تدخل عسكري في ليبيا بحجة محاربة الإرهاب، وموقف الجزائر يترنح بين دعمها لمحاربة الإرهاب العالمي لكونها ضحية له وتواجه تهديده.
ومن جهة أخرى ترفض التدخل العسكري في سوريا، وهو موقف مختلف عن موقفي المغرب وتونس، فهاتين الجارتين المغاربيتين تدعمان التحالف الدولي في سوريا، وهي مواقف لا تعجب الجزائر التي تراها مهددة للمنطقة. وفي اليمن، كان الموقف الجزائر واضحا، فهي رفضت التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية، ونددت به، مما خلق أزمات دبلوماسية مع السعودية.

الجزائر والجامعة العربية

لا تزال الجزائر ترافع لصالح مراجعة منظومة العمل العربي المشترك، وبعض النقاط الأخرى المتعلقة بالقضايا العربية ومواقف الجامعة منها، كالقضية الفلسطينية وأين وصل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومسألة القوة العربية المشتركة التي تحفظت الجزائر بشأنها واقترحت مراجعتها ومراجعة اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي كانت موجودة من قبل، وعكس الدول الأعضاء التي تشارك برؤسائها أو وزراء خارجيتها في اجتماعات الجامعة، اكتفت الجزائر بإرسال السفير الدائم كتعبير عن انزعاجها من بعض المواقف التي تتخذها الجامعة بتأثير من بعض الدول الأعضاء، وترى الجزائر أن مسألة إصلاح هياكل ومؤسسات الجامعة أمر أكثر من مهم، خاصة بقاء منصب الأمين العام حكرا على الدولة المستقبلة لمقر الجامعة، واقتراح تغييره، وهو تنافس خفي بين مصر والجزائر على تزعم الدبلوماسية العربية كما كان في عهد الرئيسين عبد الناصر وبومدين على حد قول بعض المحللين السياسيين.

 فلسطين والصحراء الغربية

تكاد آلة الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال حتى اليوم تسير على نفس الوتيرة، فقد دأبت على مناصرة القضايا العادلة في العالم خاصة ما تعلق بالتحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولما كانت القضية الفلسطينية كذلك، وقفت الجزائر موقفا لصالحها وأعلنت وقوفها إلى جانب فلسطين "ظالمة أو مظلومة" وبقي الموقف حتى الساعة مناصرا لدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ونفس الموقف بالنسبة للقضية الصحراوية، حيث ومنذ بداية الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو أعلنت الجزائر عن موقف ظل ثابتا ودخلت في صدامات مع المملكة المغربية بسبب ذلك، وكثيرا ما استفزت المغرب الجزائر سواء بتصريحات مباشرة من الدبلوماسية المغربية أو اصدار بعض التقارير المنتقدة لحقوق الإنسان في الجزائر، واتهامها المستمر لوقوفها لجانب البوليساريو ودعمها عسكريا ضد المغرب، وتهديدها لما تسميه وحدتها الترابية، وكانت حادثة علم الجزائر بسفارتها بالدار البيضاء أكثر من إساءة، وازدادت العلاقات تشنجا بعدها وردت الجزائر بلهجة شديدة، ويبدو أن التشنج قائم حتى اليوم بدليل أن رئيس الدبلوماسية رمطان لعمارة قاطع جولة الحوار لمجموعة 5+5 المنعقدة في المغرب وارسل ممثلا عنه.
إلياس تركي



من نفس القسم الوطن