الوطن

الحكومة بين شد الحزام وإطلاق رسائل الأمان للشعب

في ظل تواصل انخفاض أسعار النفط وتراجع المداخيل



تقف حكومة سلال على طرفي نقيض، فهي من جهة تشدد من إجراءات شد الحزام والتقشف لترشيد النفقات وعقلنة إنفاق المال العام لمواجهة تدني أسعار النفط وانخفاض قيمة الدينار، ومن جهة أخرى، ترسل للشعب الجزائري برسائل من السماء أن لا قلق على مستقبلهم وأن الحكومة ستضمن دخولا مدرسيا واجتماعيا عاديا، وأنها ستلتزم بدعم اسعار المواد الاستهلاكية على حساب الناتج العام، وكلام سلال ومراسلاته المستمرة لوزرائه لوقف مشاريع التنمية الكبرى، أقلق منتدى رؤساء المؤسسات وخبراء الاقتصاد، وأعرب العديد منهم عن مخاوف من استمرار هبوط أسعار النفط وعدم قدرة الحكومة على الوفاء بوعودها، خاصة وأنها لم تلتزم بتحقيق العديد من الالتزامات في المخططين الخماسيين الماضي والحالي، فهل ستتمكن من ذلك في ظل معطيات الوضع الاقتصادي الحالي؟
 منذ أيام هوت أسعار النفط إلى ما دون الخمسين واستقرت في حدود 48 دولارا للبرميل الواحد، وسارعت الحكومة للتأكيد على مواصلة التزامها بدعم أسعار المواد الاستهلاكية في خطوة استباقية للتقليل من مخاوف الجزائريين على مستقبلهم وأمنهم الغذائي، وقد أكد عبد المالك سلال ذلك منذ أيام في تصريحات صحفية، مجددا اتباع نفس السياسة لشد الحزام وترقية الاقتصاد وعصرنته، مما يجعله من جهة واقعي ومن جهة غير واقعي، خاصة وأن تصريحاته تناقض معطيات الواقع الاقتصادي، فسياسة الدعم تعتمد بالأساس على ارتفاع الناتج العام وضمان احتياطي صرف مريح، والمعروف حسب قراءات بعض الخبراء، أن احتياطي الصرف مهدد بالانخفاض في غضون ثلاث سنوات إلى أربعة بسبب استمرار الإنفاق على بعض المشاريع، وإطلاق تطمينات بخصوص الدخول الاجتماعي والمدرسي، يقابلها تجميد التوظيف في عديد القطاعات، كالصحة والأشغال العمومية والاقتصار على التربية في بعض المناصب دون غيرها، وهذه التطمينات، سبق أن أطلقتها الحكومة بخصوص مشاريع كبرى وحيوية مثل ورشات، مستشفيات وسكن، ومعظمها متوقف استجابة لمراسلات الوزير الأول لوزرائه، وحالة الاقتصاد الوطني حسب تقديرات الخبراء الجزائريين لا تبشر بالخير وتنذر بأزمة تشبه أزمة 1986. وبرغم إعلان رئيس الوزراء عبد المالك سلال استمرار حكومته في تطبيق سياسة التقشف وتجميد العديد من المشاريع الكبرى، ودعم أسعار المواد الاستهلاكية، إلا أن بعض الأطراف والشركاء من الباترونا كرئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، تجرأ وقدم خلال اجتماع مع سلال ووزيره للصناعة عبد السلام بوشوارب، مقترحات للحكومة منها وقف سياسة دعم أسعار المواد الاستهلاكية وهو المقترح الذي رفضته الحكومة وأكد سلال ذلك في تصريح صحفي في آخر خرجة للوزير الأول إلى العاصمة، فقد أكد للشعب الجزائري أن التزام الدولة بضمان دخول اجتماعي ومدرسي سهل، وذلك بالحفاظ على المكاسب الاجتماعية المحققة، مؤكدا الإبقاء على سياسة دعم تشغيل الشباب، وهذا برغم توقيف البنوك لعمليات تمويل مشاريع أونساج، مما يناقض تصريحات سلال.

وعود الحكومة للشعب وانخفاض الدينار والنفط: هل يتخطى سلال الأزمة؟

 يؤكد سلال استمرار مصالحه بتطبيق سياسة التقشف وشد الحزام، ويظهر من خلال المراسلات العديدة التي بعث بها سلال لأعضاء حكومته لتجميد المشاريع التنموية الكبرى، أن هناك أزمة حقيقية خلفها البترول وتدني قيمة الدينار، إلى جانب تجميد مشاريع تنموية كبرى على غرار الترامواي والميترو، لكن مراسلات سلال لوزرائه، تتناقض مع تصريحات هؤلاء بدليل أن وزير النقل نفى أن تكون مشاريع قطاعه قد مستها سياسة التقشف، ويطلق بعض الوزراء تصريحات تؤكد أن الحكومة في واد وأعضاؤها في واد آخر، والأكيد في كل ما يقال هو وجود أزمة تلوح في الأفق برأي الخبراء والمحللين، ولعل هذا ما جعل سلال يعلن عن قرب اجتماعه بحكومته لمناقشة مسائل تتعلق بسبب تطوير الاقتصاد وتطوير الاستثمار خارج مجال المحروقات، معلنا في نفس الوقت أن انخفاض أسعار النفط هو في الحقيقة دافع للبحث عن حلول خارج مجال البترول، لكن التقارير الدولية بشأن مناخ الاستثمار في الجزائر غير إيجابية مع استمرار البيروقراطية وتعقد القوانين في هذا الخصوص، وهذا الأمر يجعل الطاقم الحكومي أمام الحرج في مواجهة مطالب الشعب الذي تواجهه قنبلة الدخول الاجتماعي، فالتوظيف متوقف إلا في قطاعات قليلة، كما أن بعض مشاريع المخطط الخماسي الأول بقيت عالقة وكذلك المخطط الحالي، فهل يمكن للحكومة أن تفي بالوعود الحالية التي قطعها سلال وأبرزها ضمان دخول اجتماعي عادي، ومشاريع السكن والصحة مثلا؟ أم أنها ستواصل سياسة التقشف وتراجع أسعار المواد الغذائية وترفع يدها عن الدعم نزولا عن رغبة حداد ومنتدى رؤساء المؤسسات، والأكيد أن هذه النقطة ستطرح في اجتماع الثلاثية المزمع عقده شهر أكتوبر، وستكون الحكومة أمام مطالب الجبهة الشعبية التي لا تنتهي وأهمها مطلب التوظيف والشغل ورفع الأجور. وفي سياق ذي صلة يرجح الخبراء الاقتصاديون في الجزائر أن تستمر أسعار النفط في التهاوي، ومعه انخفاض الدينار، وقد تلجأ الحكومة لمزيد من الإجراءات لترشيد النفقات وشد الحزام، وهذا يعني استمرار الأزمة التي لا تجرؤ الحكومة على الاعتراف بوجودها، وتستعمل سياسة التطمين من أجل استباق غضب الشارع، لكن المخاوف تزداد وتتحدث الأحزاب والنقابات عن دخول اجتماعي ساخن، فهل تتمكن الحكومة من تجاوز الأزمة؟؟
إلياس تركي

من نفس القسم الوطن