الوطن

الحكومة تخاطر بالاقتصاد الوطني لشراء السلم الاجتماعي

من خلال مضيّها في سياسة الدعم دون توجيه في ظل ظروف اقتصادية صعبة

 

•    سراي لـ"الرائد": سياسة الدعم غير الموجه سترهق الاقتصاد الوطني

يعيش الاقتصاد الوطني هذه الفترة أسوء حالاته في وقت يواصل فيه الدينار الجزائري سقوطه الحر أمام اليورو والدولار، مسجلا مستويات دنيا قياسية، بالتزامن مع انهيار جديد في أسعار النفط، وأمام كل هذا لا تزال الحكومة تطلق التطمينات بشأن الوضعية الحالية مؤكدة أن سياسة الدعم باقية، ليبقى الأهم بالنسبة لها المواصلة في شراء السلم الاجتماعي رغم تحذيرات التقارير الدولية التي تؤكد أن الجزائر حاليا في منعرج خطير يجب التعامل معه بكل جدية، من خلال خلق استراتيجية جديدة تتماشى والتطورات الحالية لجعل الاقتصاد أكثر صلابة أمام الأزمات المقبلة. ولا تزال الحكومة حسب الكثير من المتتبعين للشأن الاقتصادي في وضع المتفرج بعدم اتخاذها لقرارات شجاعة من شأنها تخليص الجزائر من الأزمة المقبلة عليها، في ظل تراجع أسعار النفط وتهاوي قيمة الدينار في السوق الدولية، فسياسة التقشف التي أطلقتها مع بداية انخفاض أسعار النفط لم تأت بنتاجها وخير دليل على ذلك تآكل احتياطي الصرف في وقت قياسي. بالمقابل تواصل الحكومة نفس الاستراتيجية في شراء السلم الاجتماعي عن طريق سياسة الدعم رغم تحذيرات التقارير الدولية للجزائر آخرها تقرير صدر مؤخراً عن معهد التمويل الدولي التابع للبنك العالمي، والذي دعا الحكومة الجزائرية إلى اغتنام فرصة تراجع أسعار النفط وإعادة النظر في سياسة دعم أسعار الطاقة، مؤكدا أن أسعار الوقود في الجزائر هي الأضعف في منطقة شمال إفريقيا، ومع ذلك فإن الرسوم في تركيبة السعر تبقى عالية، كما أن الدعم معتبر، ولكن المادة يستفيد منها جميع فئات المجتمع دون تمييز، ورغم هذه المعطيات إلا أن الحكومة لا تزال تؤكد بقاءها على نفس المنهج مطمئنة الجزائريين أن سياسة الدعم هي سياسة دولة ولن تتراجع عنها، حيث أكد الوزير الأول في العديد من المرات أن الحكومة ستواصل تنفيذ مختلف المخططات التنموية رغم انخفاض مداخيل الجزائر من المحروقات، مفندا أي سياسة تقشفية تنوي الحكومة اتباعها في المستقبل القريب مستدلا بالإبقاء على الدعومات الموجهة لمشاريع الشباب والصحة والتربية ومنح القروض وإنجاز السكنات كمحاور هامة ستحظى بكل العناية والاهتمام، مبرزاً أن العقلنة وترشيد الإنفاق لا يعني التقشف. وبلهجة التطمين، يصرح الوزير الأول كل مرة أن الدولة ماضية في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن من خلال مواصلة دعم المواد الأساسية وهي الاستراتيجية التي أبدى منتدى رؤساء المؤسسات تحفظا بشأنها عندما قدم مقترحات للحكومة لإنقاذ الاقتصاد الوطني كان على رأسها التخلي عن سياسة الدعم، حيث قال حداد صراحة أن “الجزائر حاليا في منعرج خطير يجب معه العمل بكل جدية، والعمل على خلق استراتيجية جديدة تتماشى والتطورات الحالية، وإعادة التوجيه الاستراتيجي لسياسات الدعم لفائدة الفئات الأكثر حاجة لها”، مركزا في خطابه للحكومة أنه ” من المهم أن تعيد السلطات الجزائرية إعادة النظر في سياسة تقديم الدعم المالي، فهناك جهات تستفيد من الدعم في حين يجب أن تقدم إلى أشخاص أكثر استحقاقا لها”، وبحسب حداد فمراجعة سياسة الدعم من شأنه أن يضمن أولوية وضع حد للبؤر المساهمة في تعشش الفساد والتبذير لأموال خزينة الدولة، من خلال وضع آليات أكثر تماشيا مع متطلبات الحياة الاجتماعية، التي هي أساس التنمية الاقتصادية مع إمكانية النظر في الإعانات المالية سواء رفعها أو خفضها تجنبا للاتكالية. وفي هذا الصدد يرى عدد من الخبراء أنه من الناحية الاقتصادية فإن دعوة حداد من جهة ودعوة التقارير الدولية لمراجعة سياسة الدعم صائبة كون دعم المواد الطاقوية لوحده يكلف خزينة الدولة سنويا حوالي 4 ملايير دولار ما يشكل تهديدا للاقتصاد الوطني في ظل الأزمة الحالية.
•    سراي لـ"الرائد": سياسة الدعم غير الموجه تمثل إرهاقا حقيقيا للاقتصاد الوطني في هذه الظروف

وفي هذا الصدد يرى الخبير الاقتصادي والمالي عبد المالك سراي في تصريحات لـ"الرائد" أن المسؤولين في الجزائر مدعوون لاتخاذ تدابير وإجراءات صارمة من أجل تجنيب الجزائر أزمة اقتصادية حادة مع بداية 2017، مؤكدا أن الجزائر حاليا لا تعيش أزمة اقتصادية وإنما أزمة مالية يمكنها تجاوزها باتخاذ قرارات شجاعة وتطبيقها على أرض الواقع، خاصة فيما تعلق بإزالة العوائق البيروقراطية وفتح المجال أمام الاستشارات المحلية وتشجيع رجال الأعمال من أجل توسيع الإنتاج. وفي رد له حول مدى خطورة سياسة الدعم من الناحية الاقتصادية على الاقتصاد الوطني قال سراي أن الخطر الحقيقي الذي تشكله سياسة الدعم فيما يخص المواد الطاقوية مثلا بالإضافة إلى تكليف خزينة الدولة حوالي 4 ملايير دولار سنويا فإن الخطر يكمن أيضا في ازدياد الطلب الداخلي على الطاقة حيث سيؤدي الاستمرار على هذا النحو لمدة 15 سنة أخرى إلى "تفوق الاستهلاك الداخلي للطاقة على ما نصدره للخارج في ظل تراجع إنتاج المحروقات في السنوات الأخيرة"، مشيرا إلى تقارير صندوق النقد الدولي الأخيرة التي أكدت أن حجم المساعدة التي تقدمها الحكومة للطبقات الضعيفة في شكل دعم لأسعار العديد من المواد والخدمات الأساسية قدرت بحوالي 2900 مليار دينار أي ما يعادل 29 مليار دولار سنة 2012، وهو ما يمثل نسبة 19 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما اعتبره سراي إرهاقا حقيقيا للاقتصاد الوطني، داعيا للتقليص التدريجي لهذا الدعم وتوجيهه للطبقات التي تستحقه. وأضاف سراي في هذا الصدد أن الدعم الذي تقدمه الدولة لأسعار المواد الأساسية كبير جدا وقد يضر بمصلحة الاقتصاد الوطني على اعتبار أنه لا يذهب مباشرة للفئات المقصودة به، وبما أن الفئات ذات الدخل العالي هي المستفيد الأول منه فإن ذلك أدى إلى ظاهرة ارتفاع الاستهلاك، على اعتبار أن هذه الفئة قادرة على استهلاك مواد مدعمة بشكل لا حدود له، ما خلق ظاهرة أخرى أكثر ضررا على الاقتصاد الوطني وهي التبذير، معتبرا مواصلة السير على هذا المنوال قد يضع البلاد مستقبلا أمام تحديات كبيرة وخطيرة، منها فقدان ضمان وديمومة المالية العمومية على المدى المتوسط، مضيفا "علينا أن ننقص من الاستهلاك الفردي في الكهرباء الغاز والمواد الاستهلاكية، فالوقت حان للجزائريين أن يعملوا"، مؤكدا أن انهيار أسعار النفط تعد فرصة من أجل التخلي على عقلية الاتكال.
 

س. زموش

 

من نفس القسم الوطن