الوطن

الجزائر تطوي نهائيا ملف مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها

تعبئة وطنية رافضة للقرار موازاة مع الذكرى الـ53 للاستقلال

 

 

عاد الحديث مؤخرا بالموازاة مع اقتراب الذكرى الـ53 لاستقلال الجزائر، عن قانون تجريم الاستعمار ومطالبة الجزائر لفرنسا بضرورة الاعتراف بجرائمها المرتكبة في الجزائر إبان الاستعمار، رغم أن الملف لم يعد بالوزن الثقيل الذي كان عليه قبل سنوات قليلة، بعدما غيرت السلطة لهجتها مؤخرا، وراحت خطاباتها تتجه نحو الحفاظ على علاقات الصداقة والتعاون مع فرنسا، وتجاوز الأحداث التاريخية بين البلدين، ولعل تصريحات الوزير الأول عبد المالك سلال خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة لوباريزيان الفرنسية قبل أيام، التي قال فيها أن "مسألة اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر وتقديم اعتذارها للشعب الجزائري أصبحت من الماضي" وأن "العلاقات الآن مبنية على العمل الجاد والشراكة لضمان مستقبل أفضل للشعبين"، دليل قاطع على فشل الجزائر في انتزاع الاعتذار من فرنسا، ونيتها في طي الملف إلى الأبد، ولم يعد هناك سوى بعض الأصوات التي ترتفع هنا وهناك لشخصيات وهيئات رفضت التسليم بالأمر، وقررت الإبقاء على القضية ولو بتحيينها خلال المناسبات. 

وكانت تصريحات سلال، بمثابة الضربة القاضية للأحزاب، الهيئات والجمعيات التي تمسكت بمطلب تجريم الاستعمار، خصوصا وأن السلطة لطالما سايرت الأطراف التي شددت على ضرورة إرغام فرنسا بالاعتراف، وكانت خطاباتها تصب في هذا النطاق، قبل أن يعترف الوزير الأول علنا ولجريدة فرنسية، أن الجزائر تخلت عن مطلبها، وخسرت رهان القضية، وأن الأهم الآن هو الرقي بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى ما فيه مصلحتهما، موضحا " العلاقات الآن مبنية على العمل الجاد والشراكة لضمان مستقبل أفضل للشعبين". في المقابل، لا يزال بعض النواب في البرلمان متمسكين بمشروع تجريم الاستعمار وعلى رأسهم موسى عبدي، الذي بعث برسالة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، يؤكد فيها تمسك الشعب الجزائري بمطلبه، مشددا على أن"جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لا تسقط بالتقادم"، ومذكرا السلطات الفرنسية، أن العلاقات بين البلدين لن تبنى على محو الذاكرة، لأنها الحلقة الأساسية في العلاقات، مشيرا إلى أن العلاقات الاقتصادية ليست مبررا لتجاوز معاناة الشعب الجزائري من جرائم الاستعمار الفرنسي. وأضاف بأن ألمانيا واليابان بعد 57 سنة من الحرب العالمية الثانية لا تزالان تحت العقوبة الدولية ومازالت قوتهما العسكرية محددة وقيد الرقابة بسبب ما يعتبر جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها ألمانيا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية، معبرا عن رفضه لما وصفه بـ"استخفاف" السلطة الفرنسية بمطلب الشعب الجزائري. 

من جهتها، حاولت فرنسا تحاشي الحديث عن القضية، بالرغم من أن تصريحات مسؤولين سابقين كانت قد حملت جزءا من الاعتراف بالجرائم، خاصة فيما يتعلق بمجازر 8 ماي 1945، حيث وصفتها بالمجزرة في سابقة أولى، إلا أن باريس تعمدت التماطل في الأمر، وحاولت اللعب على وتر علاقات الصداقة والشراكة في مجالات عديدة، بينما في المقابل، يطالب بحقوق الحركى والأقدام السوداء وأملاكهم التي صادرتها الحكومة الجزائرية. 

ولعل الضغط الجزائري، لم يؤثر في فرنسا بقدر الضغط الداخلي الذي نجم عن عدد من النواب والحقوقيين، أمثال النائب دانيال غولدبرغ، الذي طالب هولاند، بضرورة أن تعترف فرنسا بمجازر 8 ماي 45، حيث قال النائب في رسالة إلى هولاند "حان الوقت لتعترف فرنسا بالخطأ الفظيع الذي ارتكبته خلال قمعها العنيف للمظاهرات التي شهدتها مدينة سطيف الجزائرية في 8 ماي 1945 ومدينة باريس في 17 أكتوبر61". 

وتبقى القضية رهينة رغبات السلطة، التي سرعان ما تخلت عنها، تحت مبرر العلاقات الثنائية وتبادل المصالح، لتثبت أمام العالم أجمع، أن الجزائر فشلت في إعادة الاعتبار لشهدائها ومجاهديها، وذهبت إلى أكثر من ذلك عندما راحت تمنح امتيازات اقتصادية لفرنسا لم تمنح لأي دولة أخرى، بتأكيد من سلال نفسه الذي اعترف في المقابلة ذاتها التي أجراها مع صحيفة لوبارزيان، أن "تعديل قانون الاستثمار سيمنح مزايا أكثر للفرنسيين، وتسهيلات هامة إلى جانب تبسيط للإجراءات". 

 

ملف تجريم الاستعمار ينبغي أن يبقى حيا 

 

شدد المكلف بالإعلام في حركة البناء الوطني سعد صدارة على ضرورة إبقاء ملف تجريم الاستعمار حيا لتحريك الرأي العام قائلا: أن موضوع تجريم الاستعمار ينبغي أن يبقى حيا لأنه يتعلق بحق شعب ودولة وهو الشعب الجزائري والدولة الجزائرية ويتعلق ثانيا بحاضر ومستقبل علاقة بلدين وهما الجزائر وفرنسا.

دعا صدارة إلى عدمربط المطلببحزب معين أو جهة معينةدون باقي الأطياف السياسية والتنظيمات الحقوقية والمجتمع المدني، مشددا على أن الأمر لا يمكن أن يحسب على منيطالبون بهذا الموضوع بأنهم لا يرغبونبعلاقة متميزة بين البلدين ويعطلون في مشروع ما يسمى بالصداقة بين البلدين، موضحا أنهعلى العكس منه تماما لأن فتح الموضوع والفصل فيه بين البلدين وعلى المستوى الرسمي وحل مختلف المشكلات العالقة فيه وعلى رأسها الاعتراف الرسمي بجرائم فرنسا الاستعمارية بالجزائر شعبا ودولة سيدفع حسبهبالعلاقة نحو الأفضل رسميا ونخبويا وشعبيا، قائلا "هذه النقلة تدل بداية على نية صادقة وحقيقية لفرنسا الرسمية على تنقية ماضيها الاستعماري والاعتراف بما جرى فيه من جرائم ضد الإنسانية والتي لا يمكن وصف مدى فضاعتها في حق الشعب الجزائري على مستوى الجرائم المادية والمعنوية والفكرية وما نسميه على مستوى الشخصية الجزائرية التي سعى الاستعمار طول 130 سنة لمحوها أو تشويهها على الأقل".

وقالأنهذه الجريمة هيأخطر بكثير لأن تداعياتها لا تزال لليوم تجني على الجزائر في مختلف منظوماتها التعليمية والتربوية والاقتصادية والثقافية وغيرها،مشيرا "لا يعارض الأغلب في رأي الجزائريين في تطوير العلاقة مع فرنسا ولكن باعتراف رسمي وإعطاء الحقوق التي يطالب بها الجزائريون وآخرها تعويضات على التفجيرات النووية في الصحراء، وهي مهما بلغت فإنها لن تعوض ما عاناه ويعانيه الجزائريون ماديا ومعنويا".

أميرة. أ


من نفس القسم الوطن